فعل ناقص مبني على الكَسْر!

أسمعتم قصة حلاّق الوالي الذي فوجئ بكبر حجم أذني الوالي وكان عليه أن يكتم هذا السرّ وإلاّ فهو مهدّد بالقتل، فكتمه، ولكن .. بعد فترة ضاق صدره بهذا السرّ ولم يعد يحتمل كتمانه ولو فعل فسينفجر، فبحث عن بئر في منطقة نائية ووضع رأسه فيه وراح يصرخ بأعلى صوته ويكرّر “أذنا الوالي طويلتان كأذني حمار” .. “أذنا الوالي طويلتان كأذني حمار”.

جالت بخاطري هذه القصة الرمزية لأصبّر نفسي على كتمان سرّ أخاف أن أبوح به فيتضرّر عدد من العاطلين الخاضعين لأحد المشاريع (الوطنية) المخصصة لهم، فكنت أحدّث نفسي بالصمت لكي لا أفسد عليهم فرصتهم التي تكاد أن تذهب أدراج الرياح، فتذكرت نهاية القصة حيث يُذكر أنّ المزارع القريبة من تلك البئر سُقيت بالماء الذي تُليت عليه عبارة “أذنا الوالي طويلتان كأذني حمار”، فلما نَمَت تلك الزروع كانت كلما حرّكتها الريح يميناً وشمالاً سُمع صوت يقول “أذنا الوالي طويلتان كأذني حمار” .. “أذنا الوالي طويلتان كأذني حمار” .. فجاءني الجواب من رمزية هذه القصة وأنا أخيّر نفسي بين البوح والكتمان.

قهقهة (قهر) خرجت من جوفي وأنا أتابع الخبر (السعيد) على صفحات صحفنا حيث يقول: “اختار وزراء العمل العرب تجربة البحرين في التوظيف والتأمين ضد التعطّل لتكون “أولى” التجارب الرائدة التي تستحقّ العرض والمناقشة، ضمن أعمال مؤتمر وزراء العمل العربي المنعقد من 5 إل 12 أبريل 2009″، ويواصل الخبر: “تقدير من مجلس إدارة منظمة العمل العربية لما حقّقته البحرين من انجازات (متميزة) في مجالات التوظيف والتأمين ضد التعطّل، وأنها تجربة رائدة …!”، واعتبر وكيل الوزارة ذلك “شهادة أخرى تضاف إلى الشهادات والإشادات العربية والدولية التي سبق وأن تلقّتها الوزارة” .. طبعاً، فمن يشهد للعروسة؟

ولا أروع منها تجربة، ولكي نستمتع بكل فصولها وتفاصيلها فحبّذا لو تُسمع بعض مقاطعها من أفواه العاطلين أنفسهم وبالأخصّ الجامعيين الذين يُرفض توظيفهم ويُقدّم الأجنبي عليهم وإن لم يكن أكفأ ولا أكثر أهلية، أو تُبخس حقوقهم ويُمنحون رواتب زهيدة لا تتناسب مع طبيعة العمل وساعاته، كما لابد أن نستمع إلى مقاطع أخرى على لسان شركات التوظيف (ذات الأكثرية الأجنبية) التي تتحدّث عن المواطن بفوقانية المتعجرف الذي يعتقد أنه لا يحق له أن يعيش بكرامة مادام لا يمتلك أناقة المرفّه المدلّل ولباقته، وهندامه، وجماله، ورطانته، ولا يفوتنا – لكي نرى قصة نجاح توظيف العاطلين البحرينية كاملة – أن نستمع إلى رأي أصحاب العمل في القطاع الخاص الذين يعتبرون توظيف البحريني نوعاً من (التضحية!) وخاصة إذا (اضطرّ) أن يساوى راتبه مع راتب الأجنبي! فتلك الخسارة الكبرى التي لا يحتمل أن يتحملها أكثر مدراء القطاع الخاص المحترمين، فالبحريني بالنسبة للكثير من المؤسسات الخاصة موظف درجة ثانية وربما ثالثة، وإن كان جامعياً .. وقد يكون المقطع الأكثر تشويقاً من التجربة الرائدة لتوظيف العاطلين هو استهزاء الوزارة المسئولة عن تخريجهم بكفاءاتهم، وخذلانها لهم بحجة أن مستواهم ضعيف، فكيف تخرّجوا إذاً من جامعتكم وبمعدّلات عالية؟

ليس دفاعاً عن كلّ العاطلين – فإنّ لي على بعضهم مآخذ سآتي على ذكرها لاحقاً – ولكن لنُعلم من يسوّق الشعارات الهوائية بأنّ بضاعتكم لن تلقى رواجاً لدى المواطن، ربما يمكنكم بيعها في سوق المؤتمرات العربية الصوتيّة، ونصيحة للمرّات القادمة – لو شئتم أن يستفيد الآخرون من تجاربكم – أن تنقلوا بعض تجارب عدم النجاح فبأخذ العبرة منها تُحوّل التحدّيات إلى نجاحات مستقبلية حقيقية، عوضاً عن النفخ في فقاعات نجاح هوائية ما أن تقترب منها تلاشت.

من وراء ضياع حقوق المواطن في العيش الكريم، وحالة الإحباط المزمنة التي يعاني منها شرائح كبيرة من المجتمع؟

أيادٍ خفية كثيرة، أطلق عليها مجتمعة مصطلح (النظام- سيستم)، فالنظام المكوّن من مؤسّسات حكوميّة بتجاوزها لبنود الدستور وانتهاكها لحقوق المواطن المشروعة، والجمعيات السياسية بنظرتها الحزبية الضيقة ولا منهجيتها في التعامل مع الملفات ذات الأولوية، وعالم التجارة المادي بجشعه ونهمه المفرط، والمؤسسة الدينية بتخلّفها وانتهازيتها في استغلال المواطن لخدمة مصالحها، كلّها أنتجت مواطناً قلقاً، سلبياً، سيء الظن، متشائما، يائسا، غير متحمّس للحياة، تائها، لا يدري إلى أين هو ذاهب، ولا ماذا يريد من الحياة، فيكتفي الموظّف منهم بالمستوى الدراسي المتواضع الذي هو فيه مادام ضمِن الوظيفة الآمنة، ولا يأبه العاطل منهم أن ينتظر ثلاث، خمس، ثمان، وربما عشر سنوات حتى تأتيه الوظيفة الحكومية إلى بيته بعد أن فقد أهليّته للعمل، فلا الحكومة وفّرت له فرصاً لإثبات نفسه واستخراج أفضل ما لديه، ولم يوجّهه حزبه وتيّارُه إلى استثمار سنيّ عمره لتطوير ذاته في مجال تخصصه أو في غيره تطوعياً أو مقابل أجر، ولم ينصحه شيخُه ليكون فاعلاً في مجتمعه يواكب التطور العلمي والتكنولوجي، ولا هو فكّر في اكتساب مهارات حياتية تجعله متحكماً في مصيره، ورضي بترهّل إرادته وتبلّد ذهنه، وبالتالي فثمّة لومٌ كبير يقع عليه حتماً، ولو ألقى معاذيره.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة