قال الباحث الدكتور سعيد حارب في مستهل حديثه في ندوة “التيارات الإسلامية بين تحدّيات المرحلة وضرورات المراجعة” أن من الضرورة دراسة التيارات الإسلامية باعتبارها واقعًا موجوداً، ولها حضور ومشاركة في العمل السياسي والفعل العام، حتى أن بعضها يكاد ينفرد بالسلطة مثل إيران أو السودان والعراق وغزة، وفي باقي الدول العربية هناك مشاركة للتيارات الإسلامية السياسية إما مشاركةً في الحكومة أو في البرلمانات”.
وأضاف في حديثه في الندوة التي نظمتها جمعية التجديد الثقافية مساء الأحد الموافق 15-3-2009 بمقر جمعية التجديد بالسلمانية أن “هذه التيارات تنطلق من المرجعية الإسلامية وهذه المرجعية هي أمر مشاع ومشترك بين من هم في داخل هذه التيارات ومن هم خارج هذه التيارات من المسلمين … وبالتالي فإن هذه المرجعية المشتركة تفترض أن يُناقش ويُحاور من يتبناها باعتبارها قاسم مشترك وأمر جامع. ومن هنا نحتاج لمراجعة أطروحات هذه التيارات ولأسباب كثيرة”.
ورفض د. سعيد حارب استخدام مصطلح “الإسلام السياسي” مؤكداً على أننا نجد “داخل بنية التيار الواحد اختلافات متعددة، ومثالاً على ذلك التيار السلفي: فيه من يبتعد كثيراً إلى درجة أنه يستخدم العنف في العمل السياسي وهو ما يسمى بالسلفية الجهادية، وهناك طرف آخر من نفس الفكر السلفي يرفض نقد الحاكم بطريقة علنية فلا يناقشه، ولذلك أعتقد أن إطلاق هذا المصطلح على الكل غير دقيق”.
واقترح د. سعيد حارب استخدام مصطلح “التيارات الإسلامية” الأكثر دقة حسب وصفه. وأضاف نحن “عندما نقول إسلام سياسي فأننا نقصد الإسلام بجانبه السياسي وهنا تأتي الخطورة، لأن فعل التيارات الإسلامية هو فعل بشري سواءً كان سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، وهو فهمٌ للنصوص التي نلتقي عليها جميعًا وبالتالي عندما نتحدث عن “الإسلام السياسي” نضع الجميع في سلة واحدة ويصبح النص وكأنه موضوع للنقاش”
واستعرض د. حارب عدداً من الأفكار التي تدور حول التيارات الإسلامية مما تحتاج لمراجعة، وقال إن “علينا التفريق بين الفكر الإسلامي المستل من النصوص وبين النصوص، ونحن هنا أحيانا نقف في منطقة حرجة، فالبعض يعتقد أن فهمه للنص يعطيه الحق في أن يُلبس هذا الفهم للنص نفس القدسية التي يلتزم بها النص وهنا تأتي المفارقة… في الفكر الإسلامي الكل يعتقد أنه يمتلك الحق لأنه يستند على الحق، وهو جزء من المشكلة عبر التاريخ الإسلامي الأمر الذي قامت حوله معارك وصراعات”.
وأضاف: “أما الأمر الثاني في سلسلة المراجعات فهو المتعلق بدور التيارات الإسلامية في الحياة العامة، فالكثير من هذه التيارات استمرأت ما يمكن تسميته بالمظلومية، وفكرة الاضطهاد تريح النفس أحياناً، ولكن هذه المظلومية حرمت هذه التيارات والشعوب والدول والمجتمعات من الكثير من الأفكار والآراء، وهي ما أوصلت بعض التيارات للصدام مع السلطة ومع المجتمع نفسه عندما اتهمت المجتمع بأنه ظالم لها وجاحد وغير متبنيها، بل أحيانا بعض التيارات تصطنع المواجهة والمظلومية لكسب عطف الجماهير والتيارات الشعبية”.
وتطرق د. حارب إلى ضرورة مراجعة موقف التيارات الإسلامية من العنف قائلاً “التيارات الإسلامية خلال العشرين سنة الماضية خلطت أوراقها الصالح بالطالح، وأُخذ البريء بجريرة المتهم، وألبست كثير من التيارات تهم لم تكن لصيقة بها لأن بعض التيارات قامت بذلك. ولكن المتتبع لما يطرح في أغلب التيارات الإسلامية لا يجد موقف محدد وواضح من رفض العنف، وهذا لا يصح وطنياً فنحن الآن نمر بمرحلة في مجتمعاتنا الإسلامية تجذّر فيها العنف بحيث أصبح ظاهرة، والتيارات الإسلامية التي تعمل في الميدان هي الخاسر الأكبر من هذا العنف لأن معظم النقد يوجه إليها”.
وأشار د. حارب إلى أهمية الالتفات إلى “الموقف من التيارات المدنية الأخرى ففي كل المجتمعات التي تعمل فيها التيارات السياسية سواء إسلامية أو غيرها توجد أرضية مشتركة وهي العمل الوطني المشترك وقضايا الوطن الواحد؛ كقضايا حقوق الإنسان والمواطنة وسيادة القانون، لكن التواصل بينها وبين التيارات المدنية أو السياسية الأخرى محدود إن لم يكن معدوم، وهي بهذا تكرر الخطأ الذي وقعت به التيارات الشمولية عندما كانت في موقع القوة”.
وأضاف د. حارب “مما نحتاج فيه لمراجعة داخل التيار الإسلامي هو (الخطاب الإسلامي) فهو خطاب عاطفي ويغيب عنه التفكير الواقعي في كثير من الأحيان، ولنفترض أننا نركب سيارة فلو بقينا ننظر في المرآة العاكسة فإننا سنصطدم بأول عمود في الطريق، التاريخ هو هذه المرآة العاكسة. نحتاج أن ننظر لهذه المرآة العاكسة بين فترة وأخرى لا أن ننظر إليها طول الوقت.. إن مجمل الخطاب الإسلامي يتحدث عن الماضي، فيشبع رغبتي وحنيني ويملؤني فخراً واعتزازاً لكن ماذا بعد؟”.<
وشددّ د. حارب في ختام الندوة على ضرورة مواجهة مشكلة المذهبية والطائفية ومواجهة الإعلام الذي يروجها قائلاً "المذهبية هي إحدى الإشكاليات التي لم نحرك فيها ساكناً، هذه الظاهرة لم تكن موجودة سابقاً أما الآن فهناك احتقان مذهبي كبير". وأشار إلى أن بعض التيارات الإسلامية كان لها موقف واضح وحاسم في مقابل تيارات تحقن هذا الوضع وتغذيه، وانتقد بعض البرامج التلفزيونية التي وصفها بأنها توغر النفوس أكثر من حرصها على التقارب بين المسلمين إضافة إلى نظرة التيارات الإسلامية تجاه بعض القضايا الاجتماعية
كالمرأة ورفض حضورها في الحياة العامة وقمع الحريات العامة.