هل يمكن أن تختلف صورة الداخل عن الخارج، وهل يمكن أن يختلف مكنون القلب عن السلوك الظاهر؟ هذه الحقيقة هي ما عبرّ عنها الشاعر الفرزدق عندما سأله الإمام الحسين وهو متوجها إلى مدينة كربلاء بالعراق، كيف رأيت أهل الكوفة؟ فقال : “قلوبهم معك وسيوفهم عليك”.
لكن ياترى ماهو السر في ذلك؟ لماذا اختلفت صورة الداخل عن الخارج عند أهل الكوفة وموقفهم إزاء خروج الإمام الحسين ومعركته الإصلاحية تجاه السلطة الظالمة آنذاك؟ ، أليس القلب هو مصدر الدوافع ومنطلق السلوك؟ إن أهل الكوفة كانوا يعلمون أن الأمام الحسين على الحق وأنه ابن بنت رسول الله ، ويعتقدون أنه أولى بالنصرة والتأييد، ولكنّ عملهم لم يكن يصْدق عقيدتهم ، هؤلاء كانوا يبكون الإمام الحسين ويتعاطفون معه بمشاعرهم فقط، لكن لم يتمكنوا من تحريك عواطفهم في الاتجاه الصحيح ، ولم يستطيعوا تحويل الإيمان إلى عمل على أرض الواقع.
كثيراً ما نقع في حياتنا تحت تأثير التناقض، التناقض بين عواطفنا ومشاعرنا وبين سلوكنا وممارساتنا اليومية، فنحن نشاهد ما يصيب أخواننا من مصاعب وظروف صعبة ومآسٍ هنا وهناك في أنحاء عالمنا الإسلامي، نتعاطف معهم بقلوبنا وبالبكاء وذرف الدموع فقط، ولكننا لا نفكّر في خطوة ايجابية تجاههم، وما الذي يمكن أن نعمل لمساعدتهم، فالقلوب المتعاطفة لا يمكن أن تحرّك ساكنا إذا لم يُغيرّ المرء من واقعه شيئا، من دون أن ينصر مظلوما أو يحقّ حقا أو يصلح فسادا أو يحيّ سنة، فيجب توظيف العاطفة المناسبة في الموقف المناسب بفعالية ، فاتخاذ الموقف الايجابي يتطلب من الفرد الشجاعة والإقدام.
فمن خصائص الشخصيّة السويَة التطابق بين الداخل والخارج، بين الرغبات الذاتية والممارسات السلوكية، فلا بد أن نترجم التعاطف إلى حركة، إلى سلوك، مساعدة، عطاء ، كلمة طيبة، والى حميّة تدفع الفرد إلى إعانة محتاج أو نصرة ضعيف، فالمواساة تكون بالقلب، والتعاطف مع الصديق يترجم بالسلوك.
كما أنه إذا اتفقت أعمال الإنسان مع ما يؤمن به من أفكار ورؤى، سوف تكون أعماله مُصدّقه لأفكاره، وكلما اقتربت الصورة بين العمل وبين الفكرة، بين السلوك وبين العواطف، كلما كان الفرد أكثر توازنا وأكثر انسجاما، فالتوازن أداة الكمال الإنساني، وفقدان التوازن يعزل الإنسان عن إنسانيته، وقبل ذلك يفصله عن ذاته وقدراته ويُحرمه من استغلال إمكاناته في صلاح نفسه وصلاح الآخرين، ولكي يتجنب السقوط في هذا المطب، عليه أن يكون واعيا لنفسه، مدركا لإمكاناته.
وعندما يتناقض الإيمان مع العمل، يعيش الإنسان صراعا داخليا ، فسلوكه لا يُعبّر عن قلبه ، وأعماله لا تنطق عن دواخله، ولكن حتى يُريّح الإنسان نفسه ويتخلّص من حالة التناقض هذه ، يجب أن يسعى لتطابق الصورتين أو اتفاقهما، فمثلا إذا لازم الوازع الداخلي الإنسان فسيكون عمله واحدا في السر والعلن ، كما أن التزام الفرد بالأخلاق المنبثقة من
الضمير الذي يعرف المعيب والخطأ، يؤدي إلى تطابق سلوكه مع عقيدته ومشاعره، بالإضافة إلى المراقبة الذاتية، والشعور برقابة الله العظيم له، يردعه عن اقتراف الخطأ.
ومن الأمور التي تساهم في اتفاق الصورتين تحسين الفرد لعمله، ووزنه لكلامه قبل أن ينطق، كما جاء في الحديث الشريف: ” لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه ” فالفعل هو الجسر الذي نعْبر من خلاله من أفكارنا إلى سلوكنا، ولا نكتفي بأن نيّاتنا طيبة ، ودواخلنا حسنة ، وأن الله ينظر إلى قلوبنا، فإذا كانت حسنة فسنحصل على ثواب المحسنين وكفى، لقد قرن الله تعالى الإيمان بالعمل (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) (آل عمران:57)
واستنكر على الذين يقولون بدون عمل قائلا: (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:3).