هل نبرمج أنفسنا على الفضيلة ؟

يحسن التصرف مع موظفيه، الجميع يرتاح لأخلاقه العالية وصدره الواسع في التعامل معهم، وعندما يعود إلى منزله ظهرًا ينقلب رأسا على عقب، فيعبس في وجه هذا ويغضب على هذا ويشتم هذه، وكأنه يريد أن يفرّغ تعب العمل في جو البيت البريء.

ما السر في تغير سلوكيات الفرد ومواقفه من حين لآخر، هل الخطأ مرفوض في حد ذاته، أم أن طبيعة الظرف تفرض على الإنسان تغيير سلوكياته؟

نحن بحاجة إلى التعامل مع أنفسنا والآخر بالخلق الطيب والقيم الصالحة ونمارس الفضيلة لأنها واجب علينا،

ولأنها جزء أساسي من كياننا الإنساني فهي من الفطرة التي فطر الناس عليها، لا لأن العقل بُرمج عليها من جهة، والمجتمع قد تعارف على حسنها من جهة أخرى، وإلا سنخذل أنفسنا وننهار، فلن تعد ولن تكون رادعا لنا عن الخطأ أو عاصمًا عن الخطيئة لأنها ليست ملكة فينا أو خيارنا الأوحد، فالإنسان يستطيع أن يملك زمام نفسه، يصنع نفسه بنفسه فيمارس الفضيلة حباً فيها لا طلباً لرضا الناس أو سمعة عندهم.

يقول الإمام علي (ع): (ميدانكم الأول أنفسكم، إن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها، كنتم عن غيرها أعجز).

إنه من السهل أن يختار الإنسان اللهو على الجد، ويلجأ إلى حياة الراحة والدعة، مفضلا إياها على حياة المسؤولية والكد والكدح، ولكن هيهات لإنسان هذا دأبه وهذه حياته أن ينشد الراحة في المستقبل وأن يقف على رجليه لاحقا، ولا ينتظر منه أن يتحمل مسؤولية نفسه، فضلا عن مسؤولية الآخرين، وكيف لهذا أن يؤسس أسرة ويساهم في بناء دولة، إن الفرد الذي عودّ نفسه وجَبَلَها على اللهو، سيجعل من نفسه إنسانا ضعيفا مهزوزا، باحثا عن هوية ما، لا يثبت على أرض صلبة، ولا يتحمل صعوبات الحياة ورياحها المتقلبة.

بعض الناس يمارس الفضيلة أمام الآخر، وإذا اختلى بنفسه فحدث ولا حرج، يضرب بالقوانين عرض الحائط لأنها ليست نابعة من الذات أو عن قناعة داخلية، فالقانون الداخلي هو الأهم والأجدى لردع الإنسان، بخلاف الإنسان الذي يمارس الفضيلة حبا فيها فهو يسعى لها دائما وأبدا، مع كل الناس وفي كل الأوقات ومع جميع الناس. فحتى مع عدم وجود القانون، نرى هذا الإنسان ملتزما، مواظبا على المبادئ والقوانين، فالابن يعفّ عن مشاهدة ما لا يليق من الصور والأفلام وإن كان وحيدا، والمعلم يخلص في درسه بدون مُوجه ورقيب، والتاجر لا يغش في تجارته، والزوجة صائنة لنفسها في حال غياب زوجها، والزوج لا يخون زوجته.

إن الإنسان الصانع لنفسه هو إنسان لا يعتمد في حياته على الآخرين، بل يحاول أن يتعلم كل يوم من الحياة، ومن تجاربها المتعددة، لا يمر عليه موقف من غير أن يتأمله ويتعظ منه، وبذلك يضيف إلى رصيده كل يوم رصيدا جديدا، لأنه يعتبر هذه التجارب صيدا ثمينا وذخيرة كبيرة ويتعاطى مع هذه المشاكل والمواقف التي تمر به تعاطيا ايجابيا، ومن ثم يتمكن من التعرف على الحالات المختلفة ويصبح مرجعا للآخرين.

قد يستأنس الفرد بالكثرة ويرى أنها على حق وصواب، فيتنازل عن مبادئه، والإعلام قد يشكل ضغطا كبيرا على أفراده، ولكن ليس له سبيل على هذا الصنف من الناس لأنه صاحب مبدأ وكلمة، وكلمة الإنسان هي قيمته، وقيمته في كلمته، فلا يتأثر بالمجتمع وضغوطه وما يفرضه عليه من أخلاق والتزامات، إن أساس بناء الأمم هي الأخلاق وعلى رأسها ممارسة الفضيلة، إن هذا الصنف من الناس لا يتنازل عن رأيه ومبادئه حتى وان عاش ظروفا صعبة كظروف الحصار والقهر والحروب، يظل ملتزما بمبادئ الفضيلة وقيم النزاهة وشرف الوظيفة العاملة، لا ينثني صاحب القيم عن مبادئه فهو لا يهادن ولا يتنازل، ويكافح من أجل أن يحقق أحلامه وهي خدمة الله والإنسانية.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة