كلمة رئيس جمعية التجديد الثقافية رضا رجب في حفل إطلاق كتاب بين آدمين 16 سبتمبر 2007

bain-admeain

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة والأخوات الكرام سلام عليكم،

يطيبُ لي أن أرحبَ بكم أجملَ ترحيب نيابة عن إخواني وأخواتي في جمعية التجديد الثقافية في هذه الأمسية… في ليلةٍ من ليالي شهر رمضان…. شهرِ ضيافةِ الله.

الليلةَ هي أيضاً من ليالي السَراة، وبحثُ (بين آدمين… آدم الانسان وآدم الرسول) هو الكتابُ التاسعُ في هذه السلسلةِ التي لا زالَ صداها يترددُ منذُ إطلاقهِا قبلَ عامين…

بين مؤيدٍ ومستبشر، وبينَ ناقدٍ ومنتقد…

بين من يراها فرجاً لهذه الأمةِ المكلومةِ، وبين من يراها مؤامرةً حيكت على رسالةِ الإسلام…

بين من يرى فيها أنها بينْت وأوضحْت إعجازَ رسالةِ محمدٍ (ص) وعظمةِ كتابِ اللهِ المجيدِ وتراثِ أمتِنا التليد، وبين من يرى أنها تخريبٌ للشريعةِ الاسلامية.

ونحن بين هذا وذاك واصلنا، واستمر باحثونا في سعيِهم الحثيثِ نحو غربلةِ تراثِ الأمةِ… ومَضَينا في عملِنا على أملِ أن نُنجزَ ما وعدنا به خالقَنا وأمتَنا.

إخواني وأخواتي،

منذ أن أطلقنا قبلَ عامينِ مشروعَ “عندما نطق السَراة”… بقيت أسئلةٌ تترددُ لدى شريحةٍ مهمةٍ من أبناءِ الأمة:

ماهو هدفكم؟!!

ما حاجتُنا لمشروعِكم وبحثِ الاساطيرِ والتوراةِ وغيرِها من مقولاتٍ دينيةٍ … في حينَ أن الفقرَ والتخلفَ يجثُم على صدرِ الأمةِ منذُ قرون؟!!…

ما حاجُتنا للبحثِ في التاريخِ وتقليبِ التراثِ، وعذاباتُ سنينَ الاحتلالِ قد شتت شعبَ فلسطين، ناهيك عن نهبِ ثرواتِنا على يدِ المستعمرِ الباغي… وأنتم منهمكونَ في بحثِ أصلِ اللغات والشعوبِ والأعراقِ والأديانِ والإنسانِ؟!.

ما فائدةُ البحثِ في ملحمةِ الخليقةِ السومريةِ أو البابليةِ أو جلجامش وفي أصلِ آدمَ وجنّتِه ولغتِه ومحاولةِ تحريرِ قصةِ الخلق من الخرافاتِ والتزوير… وهل نبتَ من الطينِ؟ أم جُبل من الطين؟ في حينِ أن أبناءَ آدمَ المعاصرينَ محاصرونَ في سجونِ الاستبدادِ والقهرِ والتخلفِ؟!.

هذه الأسئلةُ وما شابهَهَا بقيْت تتردُدُ لدى عددٍ من أبناءِ الأمةِ منذ أطلقنا مشروعَ السَراة.

إخواني وأخواتي،

الواقعُ الراهنُ للأمةِ والإنسانِ العربي والمسلمِ هو محصلة تراكمِ الماضي بكلِ تفاصيلهِ وجزئياتِه، وثقافةُ الأمةِ اليومَ التي تعد الركنَ الأساسيَ لحضارتِنا، ووقَودَ رأسِ المالِ الإنساني للعربي والمسلم، هي تراكمٌ لمحصلة ما سبق.

حين بدأنا كان لابدَّ من تشخيصٍ علميٍ دقيقٍ لواقعِ الأمّة الثقافي والسياسي والاجتماعي والعلمي والعقائدي.

لم نصل لتلك الجذورِ عبثاً، ولم نبحْث التوراةَ والاساطيرَ رغبةً في ذلك، ولكن هي الحقيقةُ المرةُ التي قادتنا مرغَمين لا طالبين،

مرغمين…

بالعودةِ لجذورِ الفقر والتخلف العلمي… بالعودةِ لجذورِ الاحتلالِ والاستعمارِ… بالعودةِ لجذورِ الظلمِ والاستبدادِ… بالعودة لجذورِ الزيفِ والافتراء.

فالتخلفُ والاستبدادُ الذي نعاني منه اليومَ، بقيَ ولا زال يأخذُ مِدادَه من التراثِ والتاريخ…

واحتلالُ الأرضِ قد تمتِ التوطئُة له باحتلالِ التاريخِ وتزييفهِ، وعليه فلابدَ من تحريرِ التاريخِ لانتزاعِ مبرّرِ ومشروعيّةِ احتلالِ الأرض.

مقولةُ أرضُ الميعادِ وأرضُ الرسالاتِ والفراعنةُ ومملكةُ إسرائيلَ وغيرُها من المسلماتِ التاريخيةِ لدى شعوبِ العالمِ ومنها الشعوبُ الاسلاميةُ والشعوبُ الغربيةُ قد ساهمت وبشكلٍ مباشرٍ في غرسِ هذا السرطانِ الصهيوني في خاصرةِ الأمة.

لقد ساهمَ الموقفُ السلبيُ الرافضُ لتنقيحِ التراثِ في طمسِ المنظومةِ المعرفيةِ التي تضمنها تُراثُ الأمة وتاجُهُ القرآن الكريم، فأضحت الكثيرُ من الحقائقِ العلميةِ التي دونت في تُراثِنا خفيةً على العالمِ، وليست قصةُ الخلقِ والمعصيةِ والطوفانِ، وشطبُ نصفِ الأمةِ من خلال تغييب دور المرأة بما لذلك من انعكاساتٍ حادةٍ على أوضاعنا الاجتماعيةِ والسياسيةِ والاقتصاديةِ، سِوى نماذجَ لما يمكن أن يوصفَ بخسارةٍ للبشريةِ جمعاء.

إخواني وأخواتي،

إن النتيجةَ التي خلُص إليها مشروعُ “عندما نطق السَراة”، هي أن راسَ المالِ الإنساني للأمةِ ـ والذي لن تكونَ لنا قيامةٌ من دونه ـ قد تكبدَ أضراراً فادحةً، تارةً على يدِ أبنائِها وتارةً على يدِ أعدائِها. فالبنيةُ التحتيةُ لثقافةِ الأمةِ والمتمثلةُ بالمركبِ الكلي والنموِ التراكمي المخزون في ذاكرةِ الإنسان العربي والمسلم قد تعرضْت للتشويه، والحواملُ الرئيسيةُ التي تضمُ هذه المكوناتِ والتي تغذي ثقافةَ المسلمينَ المعاصرة قد تعرضْت للعبث، وبالتالي مُسخت تلك الثقافةُ الأصيلةُ النقيةُ التي جاءتنا من الحضاراتِ العربيةِ الأولى في سومرَ وبابلَ ووادي النيلِ وغيرها ومن مهبطِ الوحي عبَر الأنبياء سيما خاتمهم (ص)، واستُبدلت بما أراده أعداءُ هذه الأمةَ.

إخواني وأخواتي ،

بحثُ “بين آدمين” والذي سيتفضل أخي الكريم الاستاذ جلال القصاب باستعراضِ بعضِ مفاصِله إنما يُعدُ رُكناً هاماً لهذا المشروع، بل هو فأسٌ إبراهيميٌ آخر يدك الأصنامَ التي ترعرَعت في ثقافتِنا، فأرجو أن تستمتعوا بهذه الأمسيةِ.

وختاماً لابدَ من الاشارةِ الى حالِ الأمةِ اليومَ، وكيف انقسمت الى فرقٍ واشتعلت حرُوب الطوائفِ والمذاهبِ بعد أن وحدها الإسلامُ على يدِ رسول الله (ص)، ومرةً أخرى نرى كيفَ أضحت المروياتُ مداداً لتعميقِ الهوةِ بين أبناءِ الاسلام عوضاً عن ردمها، فسوغت هذه الانقساماتُ لفعلٍ طالما حذّر منه خيرُ البريةِ النبيُ محمدٌ (ص)، إلا وهو (لا ترجعوا بعدي كفارا يضربُ بعضُكم رقابَ بعض)، فاتجهت طاقاتُ الكثيرِ من الكتابِ والمفكرينَ كلٌ لإثباتِ صحةِ موقفِ مذهبه أو طائفتِه، إما نحن في جمعيةِ التجديدِ الثقافيةِ فستكون لنا مشاركةٌ بأذنِ الله تعالى سنُعلنُ عنها قريباً.

أستودعكم الله، ووفقنا الله وأياكم لما يُحب ويرضى

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.