ندوة “فلسطين المتخيّلة” – الدكتور فاضل الربيعي

ندوة “فلسطين المتخيّلة”

الدكتور فاضل الربيعي

قال الباحث العراقي الدكتور فاضل الربيعي في الندوة الأخيرة من موسم السراة الثقافي “عالمٌ.. في أسر التزوير” الذي نظمته جمعية التجديد الثقافية “إنّ الذين قرأوا التوراة من الغربيين منذ العصور الوسطى أنشأوا ما يمكن تسميته بالقراءة المخياليّة للنص الديني التوراتي، واخترعوا عالمًا لا صلة له بما ورد في التوراة، وهذه القراءة الاستشراقية ظلّت متواصلة وأصابت بالعدوى أجيالاً من الباحثين في الشرق والغرب حتى ترسخت أسطورة أرض الميعاد في فلسطين”.

وأضاف الدكتور فاضل الربيعي في ندوته المقامة مساء الأحد الموافق الأول من نوفمبر الجاري في مقر جمعية التجديد والتي حملت اسم كتابه “فلسطين المتخيّلة” إنّ التوراة في نصِّها العبري لا تذكر اسم فلسطين قط، ولا يوجد في أي سفر من أسفار التوراة أي إشارة، محض إشارة أو تلميح إلى اسم فلسطين أو الفلسطينيين. لكن الأكذوبة مرّت وانطلت على أجيالٍ من الباحثين والدارسين والعلماء، وساهم فيها وياللأسف مفكرون وكتّاب وباحثون عرب.

وقال الدكتور الربيعي أن القراءة الاستشراقية للتوراة هي قراءة مخياليّة انبنت على فرضياتٍ لغوية ومطابقات سالفة بين ما ورد في التوراة من أسماء مواضع وأماكن وبين ما عثر عليه أو شوهد في أرض فلسطين. ولكن من بين كل هذه الأسماء التي زُعِمَ أنها متطابقة مع النص التوراتي لا يوجد سوى بضع أسماء فقط لا تتجاوز أصابع اليد. ومع ذلك تمّ وبشكل تعسفي إرغام جغرافية النص التواري على أن تتطابق مع جغرافية فلسطين وبالتالي جرى تخيُّل فلسطين على أنها هي الأرض التي وُصِفت في التوراة”. واستدل الربيعي في هذا السياق بمثالٍ قائلاً “يقال عن تل صغير في القدس يُدعى تل حاصور أنه هو الاسم المقصود من كلمة حصور الواردة في العبرية، لكن إذا ما قمنا بمطابقة الاسمين بالمعنى الجغرافي وليس بالمعنى اللغوي وقمنا بمطابقة الوصف فالتوراة تقدِّم الحصور بوصفه وادياً عظيماً من الوديان وليس تلا صغيراً أشعث وأجرد، وهذا لا يمكن مطابقته بأيِّ شكلٍ من الأشكال”.

وأضاف الربيعي “خذوا مثلاً التوراة لا تقول أن القدس هي أورشليم، ولا يوجد أي موضع في التوراة على الإطلاق يقول أن القدس هي أورشليم، بل على العكس من هذا النص التوراتي يتحدث عن ثلاثة أماكن باسم “قدش” بدون ألف ولام وهذه الأماكن الثلاثة توصف بأنها جبال، وليست القدس فوق جبل، وليست جبلا، فالقدس فوق هضبتين لا علاقة لها بأي سلسلة جبلية قريبة. أما أورشليم فتوصف وصفاً مختلفا بوصفها مدينة، وهي ترتبط بمكان مجاور يدعى بيت بوس”.

وتابع الدكتور الربيعي “وهذا المكان عندما جاء داوود ليحتل أورشليم سار في منطقةٍ جبليّة هي سراة وليست مجرد جبل، وعبر منها من جبل يدعى جبل صهيون، ودخل بيت بوس واستولى على أورشليم، ولا يوجد في طول فلسطين وعرضها جبل يدعى جبل صهيون. بينما الهمداني في “صفة جزيرة العرب” يقدم وصفاً دقيقاً لهذه السراة، ويصف فيها جبل صهيون وهو جبل عربي يمنيٌّ شامخ من جبال العرب التي اندثرت ونُسيت في زحمة تزوير التاريخ”.

وأكّد الدكتور الربيعي على أن كل ما ورد في النص التوراتي من أسماء أماكن ومواضع في كل الأسفار وصفها الهمداني في كتابه “صفة جزيرة العرب” وبنفس الاسم موضعًا جوار موضع، وقبيلةً جوار قبيلة. والغريب أننا لو قمنا على سبيل المثال بمطابقة قائمة التوراة للأسرى اليهود فيما يعرف بحادثة الأسر البابلي وهي تضم عشرات الأسماء من القبائل والأسر مع ما وَرَدَ عند الهمداني في وصف جزيرة العرب فسوف نكتشف أنها تتطابق حرفيّاً ومن دون أي تغيير، كاملةً دون نقصان، وهذا أمرٌ مثير.

هذا ودشنت جمعية التجديد الثقافية في مستهل الندوة سلسلة أفلام “عندما نطق السراة” عبر عرض نموذجين من حلقتين منفصلتين. وقال المهندس حسن الشارقي مدير مشروع السراة أن “الثقافة التي سادت في أغلب عقول الناس وفي كل المستويات الشعبية والبحثية والفكرية والسياسية لا يمكن أن تقتلع بندوة هنا أو هناك، أو بكتابٍ صدر هنا أو هناك، ولكن بغرس ثقافة شعبيّة جادة ومدروسة لكشف هذا الزيف ابتداءً من أطفالنا انطلاقا إلى جميع شرائح المجتمع”.

وأضاف الشارقي “نحن في جمعية التجديد وتحقيقاً لشيءٍ من هذا الهدف نعلن هذه الليلة عن تدشين سلسلةِ أفلام السراة الوثائقيّة، والتي نرمي من خلالها إلى إثارة السؤال بطريقةٍ ناظمةٍ للمعلومة، ومثيرة للمنطق والحس، ومشيرة إلى مواقع الشبهة”.

وتكشف سلسلة الأفلام عن مفاصل هامة في التراث العربي القديم وارتباطه بالرسالات السماوية، كما تبيّن جوانب من التزوير الذي قام به أعداء الأمة من الصهاينة والمستشرقون وتكشف عن مستوى العبث الذي طال تراث المنطقة وشوه رسالة الإسلام كما صرّح حسن الشارقي في وقت سابق.

وقد شهدت فعاليات الاختتام توقيع الكاتبة الصحفية والروائية الأستاذة فوزية رشيد للكتاب الذي أصدرته جمعية التجديد الثقافية، والذي يحتوي على القراءة التي قدّمتها رشيد لمشروع عندما نطق السراة، حيث يضم الكتاب سلسلة المقالات التي نشرتها الكاتبة في صحيفة أخبار الخليج في الفترة ما بين أبريل إلى يونيو 2009.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.