أحمد شابٌ في مقتبل العمر جلس ذات يومٍ فاتحاً كتابَ الله ليقرأ بعضَ آياته، فطالعته الآية الكريمة “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا” توقف عندها ولم يكمل قراءتها لأن آهاتٍ خارجة من أعماق قلبه نطقت محدثةً إياه “ما هذا الحظّ الذي حرمكَ من زينتيّ الحياة يا أحمد، فلا المالُ مملوكُ ولا الوِلدُ موجود”، نهض ململِماً شتات نفسه علّه يتعامل مع الواقع الذي هو فيه عوضاً عن السرحان في أماني لا يد له فيها.
كان أحمد في تلكَ الفترةِ يجهّز منزله الخاص الذي لم يستطع الحصول عليه إلا بعد قرضٍ ماليّ كبير من البنك وديونٍ أخرى من هناك وهناك تقضُّ مضجعه كلما تذكرها، وكلما وقف بداخل البناء الذي سيكون منزله عمّا قريب.. سرحَ يفكر أنّى له أن يوفّر ما يسد المبالغ التي ترهق كاهله.
قطع عليه حبل أفكاره الكئيبة نداءُ زوجته وهي تسأله عن اللون الذي يرتاح إذا رآه على جدران المنزل.. فأجابها، لكن هذه المرة سرح فجأةً حينما رأى محيّا زوجته سعيدةً مبتهجة وهي تخطط المكان الذي سيجلسانِ فيه، والمكان الذي سيأكلان فيه، والمكان الذي سيحوي أيامهما القادمة بحلوها ومرّها.
تذكّر فجأة بقيَّةَ الآية التي أنِفت عليه نفسهُ وسلبيّتها أن يقرأها حينها: “وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا”، “الباقيات الصالحات” أخذ يتمتم مع نفسه.. فقد استطاع أحمد أن يحظى بالزوجة الصالحةِ التي تشاركه أيامه وسعادته لسنيّ عمره القادمة، وها هو الآنَ يرسم حياتهما المشتركةَ معها وبكل سعادةٍ وتفاهم!
تذّكرَ أحمد حوار صاحبه معه حين شكا له عن المشاكل الكثيرة التي حصلت بينه وبين زوجته في الفترة التي كانا يجهّزان منزلهما فيها وأنّ صاحبه اعتبر هذه المرحلة من “أسوأ ذكرياتهما على الإطلاق”، بل ولم يكن هذا الصاحب هو الوحيد الذي مرّ بنفس هذه التجربة!
أدركَ أحمد أنه ظلَمَ نفسه حينما اعتبر نفسه محروماً من السعادة لأنه لم يملك “زينة الحياة” من الأبناء، بل واعتبر نفسه لا يملك الأموال مع أنه استطاع شراء وحدةٍ سكنيّةٍ يحلم بها كثيرون غيره دون أن ينالوها.
رفعَ عينيه متأملاً عيني زوجته المتألّقتينِ سعادة وقال لنفسه: “سأجعل من هذه الأيامِ (تصلح) لأن تكون ذكرى (باقية) أسعدُ كلما تذكرتها، وسأوصل تجربتي السعيدةَ هذه لمن يمر بنفس هذه المرحلة (آملاً) أن أفيد الآخرين بها، وتكون لي (خيرَ ثوابٍ) يُكتبُ لي في أعمالي وأكون “حامداً” لله على نعماه.
حينما يُلحق أب الأذى بابنه مثلاً (جسدياً ونفسياً) فإنه يُلحق الأذى بنفسه أيضاً على مستويين، الأول: نظرة الابن لأبيه ستتغير ولن يراه الأب المربي القدوة بل القاسي جاف المشاعر.. والمستوى الثاني: في شخصيته وإنسانيته وروحانيته وعلاقته بالله تعالى.
حينما يقوم صاحب عمل بفصل موظف لديه بلا سبب وجيه، فهو بذلك يكون قد ألحق الضرر بالموظف ليتركه أمام التزاماته المالية وضغوط الحياة بصورة مفاجئة.. وهو لا يعي بأنه بهذا الفعل قد ألحق الضرر بنفسه أيضاً لأنه أولاً استنقص من إنسانيته ولم يتعامل بالأخلاق السامية وأيضاً ستسوء سمعته لدى كل من يعرف الموظف المفصول وغيرها من التداعيات.