إلى مؤتمر (الوحدة الإسلامية وديعة محمد صلى الله عليه وسلم)

مملكة البحرين

جمعيّة التجديد الثقافيّة الاجتماعيّة

إلى مؤتمر

(الوحدة الإسلامية وديعة محمد صلى الله عليه وسلم)

الدكتور فتحي يكن

مؤتمر ”الوحدة الإسلامية وديعة محمد (ص)”

مملكة البحرين: 28 إلى 30 ديسمبر 2007م

لا أكتمكم أني بت أخشى أن يكون الكلام عن الوحدة قد فات أوانه بعد أن تجاوزت الفتن المذهبية كل الخطوط الحمراء وبخاصة في بلاد الرافدين، لتتحول إلى فيروس قاتل يمكن أن ينتقل بسرعة تفوق سرعة انتقال فيروس انفلونزا الطيور.

وفي مستهل كلمتي بين يدي هذه الندوة المباركة، أتمنى أن يصبح السعي للوحدة حالة ميدانية يومية في واقع حياة المسلمين.

ثم إن الكلام عن الوحدة يتنامى ويتكاثر في حالتين اثنتين، الأولى: خلال موسم الوحدة، والثانية: حيال مخاطر الانقسام والفتن الطائفية والمذهبية.

وتبعاً لكل ذلك تغيب عن الوعي والذاكرة حقيقة كبرى وهي أن الوحدة الإسلامية والسعي إليها من الفروض الشرعية.

وحدة المسلمين فريضة شرعية

إن مما لا شك فيه أن الأصل في الشريعة هو وحدة الأمة ، ووحدة المسلمين على سنة الله ورسوله كائنا ما كانت الخلافات الفقهية والاجتهادات المذهبية ، طالما أنهم يغرفون من معين النبوة.

أوليسوا هم المعنيون بقوله تعالى: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) أوليسوا هم المقصودون من الإمام البصيري في قصيدة البردة الشريفة حيث قال :

دعا إلى الله فالمستمسكون به    مستمسـكون بحبـل غير منفصم

وكلهم من رسول الله ملتمسّ     غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم

وواقفون لديـه عند حدهـم من نقطة العلم أو من شكلة الحِكم

حتى غدت ملة الإسـلام بهم     من بعد غربتها موصولة الرحـم

أن تكون وحدة المسلمين فريضة شرعية، فهذا يعني وجوب العمل الحثيث على إقامتها بصرف النظر عن الظروف المحيطة والاستثنائية التي تكون هي الدافع في الغالب للمناداة بها والدعوة إليها كردة فعل ليس إلا، ثم سرعان ما تتلاشى وتغيب من تغير الظروف!

الوجوب المصلحي:

ولدى الكلام عن الوجوب المصلحي في وحدة المسلمين، تطالعنا زحمة من الضرورات والمصالح التي تحققها الوحدة على كل صعيد:

  • وحدة المسلمين ضرورة وطنية لبنانية، وخطوة محورية لوحدة اللبنانيين.
  • وحدة المسلمين ضمانة لوقف ظاهرة التطرف، سواء كان فقهياً أو فكرياً على غرار الأحكام والمواقف والفتاوى المتبادلة بين المسلمين، كظاهرة التكفير والتبديع، أو من خلال الممارسات الميدانية الدموية التي تقوض وحدة المسلمين وقدسية أخوتهم والتي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ويلعن بعضكم بعضا).
  • وحدة المسلمين تشكل مناعة أمنية ذاتية، من شأنها أن توقف الصراعات والفتن الطائفية والمذهبية والعرقية التي يحركها ويراهن على جدواها الاستكبار العالمي.
  • وحدة المسلمين تشكل أحد أكبر الممانعات الوطنية للتدخلات الخارجية وبالتالي احباط كل المشاريع التآمرية التي تستهدف لبنان مقاومة وشعباً ومؤسسات، والتي كان آخرها اكتشاف الشبكة التي كانت تخطط لاغتيال السيد حسن نصر الله.

أيها الحفل الكريم

يأتي انعقاد هذا المؤتمر في ظل مؤامرة كبرى وهجمة غير مسبوقة على الإسلام كدين، كما على المسلمين كهوية ووجود. مما يرفع حكم الوجوب الشرعي لوحدة المسلمين، ويختصها بالأولوية التي لا تتقدمها إلا شهادة (لا إله إلا الله) والتي هي عنوان الوحدانية وأساس الوحدة الإسلامية ولبها وجوهرها.

فمن استهدافات المؤامرة العالمية على الإسلام:

  • ما أعلنه الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي بقوله : “لم يبق لنا من عدو بعد سقوط الاتحاد السوفياتي إلا الإسلام”.
  • العمل على تقديم ما أسماه الرئيس الأميركي الخاسر بوش:[ الإسلام المعدل] أي الإسلام الذي انتزعت منه كل معاني القوة والعزة والجهاد والعلم والحضارة والحرية والوحدة، وبعبارة أخرى كل معاني الحياة التي اختزلتها الخطاب الإلهي من خلال قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
  • السعي إلى اختراق مؤسساتنا التعليمية ومعاهدنا وجامعاتنا الإسلامية، بقصد تشويه المناهج المعتمدة بذريعة أنها محاضن للإرهاب والإرهابيين، في وقت يسعى فيه لتقديم صورة شوهاء مبتذلة عن الإسلام مخالفة بالكلية لما اجمعت عليه الأمة قديماً وحديثاً، وما بدعة إمامة المدعوة [أمينة ودود] للرجال والنساء في الصلاة التي نفذتها مع مجموعة من الجاهلات بالاسلام في احدى كنائس واشنطن إلا أنموذجا من الانتهاكات التي تمارسها الإدارة الأمريكية من أجل تشويه الإسلام!

ومن استهدافات الهجمة العالمية على المسلمين:

  • حرب الإبادة التي تمارسها الصهيونية العالمية ضد الشعب الفلسطيني منذ ما يقرب من ستين عاماً!
  • الحرب الشعواء التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على أفغانستان بحجة محاربة الإرهاب وملاحقة تنظيم القاعدة وسوق بن لادن إلى العدالة.
  • الحرب المدمرة التي شنتها قوات التحالف على العراق بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل ، والتي أكدت التقارير الدولية والأميركية الرسمية مؤخراً خلو العراق منها تماماً !
  • وضع اليد على دول العالم الإسلامي وبخاصة الرافضة للهيمنة الأميركية كسوريا ولبنان وإيران، والعمل على إضعافها وتجريدها من أسلحتها حتى الدفاعية، وضرب حركات المقاومة التي حققت معادلة توازن الرعب واقضت مضاجع العداء في الداخل والخارج.
  • اللجوء إلى السلاح الأكثر فتكاً في الأمة من أسلحة الدمار الشامل على ضراوتها، وأعني به سلاح الفتن الداخلية، وإيقاظ وتحريك النزعات الطائفية والمذهبية والعرقية والإثنية [ كالحال الذي يشهده العراق اليوم بعد سقوط نظام صدام، والذي تتردد أصداؤه الملعونة في لبنان بين الحين والآخر.

ولقد عبر وارن كريستوفر وزير الخارجية الأميركي في عهد كلنتون عن سياسية بلاده في اتجاه تفتيت العالم إلى دويلات فقال: [ نحن نطمح إلى أن يكون في العالم خمسة آلاف دولة وليس مئتا دولة فقط]!!

  • إقامة نظام شرق أوسطي تكون الدولة العبرية فيه صاحبة القرار والأكثر تفوقاً عسكرياً تعاضدها القوات الأميركية من خلال القواعد العسكرية التي بلغ عددها قبل الحرب على أفغانستان 46 قاعدة عسكرية، والتي بلغت أضعاف ذلك بعد الحربين على أفغانستان والعراق، بحسب الوثائق والتقارير الرسمية .

معوقات الوحدة الإسلامية :

لا أكتمكم أن المعوقات التي تقف حائلاً دون قيام الوحدة الإسلامية كثيرة ومعقدة وخطيرة، منها ما هو داخلي النشأة ومنها ما هو خارجي المنبت، تآمري الهدف، شيطاني المشروع.

والمطلوب من المسلمين جميعاً، وعلى مختلف أنماءاتهم المذهبية والحركية، وتعدد لقاءاتهم ومؤتمراتهم، أن يحسنوا تشخيص المشكلة، وأن يقرأوا ما يجري بدقة وتجرد وصدقية، وصولاً إلى رسم خارطة للطريق المؤدية إلى وحدة المسلمين في زمن كثر فيه رسم الخرائط التآمرية – ومنها بخاصة الأميركية والصهيونية – على المسلمين وقضاياهم المصيرية.

المعوقات من منظوري الإسلامي الخاص:

ليس عدلاً أن أطالبكم بما أعفي منه نفسي .. وأكره أن يكون كلامي بمثابة دفع الكرة إلى ملاعب الآخرين، من هنا جئت لأقول لكم وبكل صراحة، أن المعوقات الداخلية للوحدة الإسلامية تكمن في أمرين اثنين: الأول عقائدي وفقهي المنحى، والثاني سياسي ومصلحي الخلفية.

  • فأما ما يتصل بالمحور الأول فكلنا يدرك ويعرف ويعلم – سنة وشيعة- أن للخلاف المذهبي أصولاً واسباباً موضوعية [فقهية وتاريخية] لا يؤدي القفز من فوقها والهروب منها إلا إلى مزيد من الاحتقان والتشنج، وصولاً إلى الانفجار .. والمطلوب: تناول هذه القضايا بالبحث والدراسة المؤصلة، ومن خلال مرجعيات موثوقة متخصصة من الجانبين يمكن أن تحسم الكثير من تلكم الخلافات وبخاصة ما يعتبر منها بمثابة فتائل تفجيرية قابلة للاشتعال في أية لحظة .

وما أود قوله في هذه المناسبة، أنني تقدمت من أحد مؤتمرات التقريب بين المذاهب التي حضرتها في طهران، ورقة عمل تضمنت رؤوس الموضوعات الخلافية العقدية والفقهية، وأود أن اثبتها في هذه المداخلة، وأنقلها إليكم كما قدمت إلى مؤتمر طهران:

النقاط المطلوب مناقشتها وتقريب وجهات النظر حولها هي:

  1. إشكالية تحريف القرآن الكريم، وما يتصل بمصحف فاطمة رضي الله عنها وأرضاها.
  2. إشكالية الإمامة، واعتبارها منصباً إلهياً يتجاوز مقام الملائكة المنزلين والأنبياء المرسلين.
  3. الخلافات الفقهية المتعددة، كميراث البنت، ونكاح المتعة، وغيرها.
  4. الخلافات التاريخية والتي من شأنها تبتعث الأحقاد في كل عام وعلى مداه، وتثير المشاعر، وتولد الضغائن، وتدق طبول الثأر. إضافة إلى ما يتصل من ذلك كذلك بسباب بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
  5. إشكالية اعتماد “التقية” التي من شأنها هز الثقة بين الفريقين، والحكم على كل تصرف أنه من قبيل ذلك ويقع في تلك الدائرة.
  • وأما المحور الثاني والذي لا يقل أهمية وخطورة عن الأول فيتعلق بالمواقف السياسية الميدانية من الصراعات والحروب الدائرة بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في عدد من الدول الإسلامية كأفغانستان والعراق . أقول وبصراحة متناهية إن الإنقسام الإسلامي المذهبي الذي تشهده الساحة العراقية بالذات فيما يتعلق بالتعامل مع المشروع الأميركي ، من شأنه أن يطلق شرارات لهب تطال الساحة الاسلامية في كل مكان وبخاصة لبنان.

من هنا كانت مسؤولية هذا المؤتمر وأمثاله من المؤتمرات كبيرة واستثنائية وتتطلب جهداً ميدانياً – سنة وشيعة- يتعدى دائرة الكلام والبحث والخطابة.

أخيراً .. لا بد من خطوات عملية من ذلك :

  • تأسيس مرجعية علمائية عالمية من السنة والشيعة لتقريب وجهات النظر حول الأمور الفقهية المختلف فيها (وإنهاء حالة الاستحضار التاريخي المذهبي لأنه يؤدي إلى إعادة الشحن والشحن المضاد) .
  • تأسيس مرجعية سياسية للطائفتين يحكمها مشروع سياسي يحقق التمثيل الأكثري الحقيقي في كافة المؤسسات الرسمية .
  • عقد لقاءات دورية بين المجلسين الشرعيين السني والشيعي لبلورة وحدة رؤيا وموقف تجاه المستجدات . واصدار فتاوى ومواقف مشتركة مؤصلة شرعاً .

إنه لا بد من مشروع إسلامي مقاوم يجمع السنة بكل فئاتهم والشيعة على مختلف مرجعياتهم وأطيافهم في مواجهة عدو مشترك، وصفه الإمام الخميني بالشيطان الأكبر، إنه التحالف الأميركي الصهيوني، الذي لا يجوز الاختلاف على هويته الشيطانية، وعلى التعامل معه على هذا الأساس..

وأختم كلامي بقول الله تعالى:

( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتهم فئة فاثبتوا، واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين) .

ملاحظة: كان بودّي لو كنت حاضراً معكم، ولكن ظروف لبنان حالت دون ذلك. أتمنى لكم كل توفيق.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.