المؤسسة الرسمية ودورها في السياسة والإعلام

مملكة البحرين

جمعيّة التجديد الثقافيّة الاجتماعيّة

(( ما هو الدور السياسي الذي تلعبه المؤسسات الرسمية؟

هل للمؤسسة الرسمية دور في استغلال وسائل الإعلام؟ ))

د. خديجة عبد الهادي المحميد

مؤتمر ”الوحدة الإسلامية وديعة محمد (ص)”

مملكة البحرين: 28 إلى 30 ديسمبر 2007م

 بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

كثيرة هي التنظيرات والأطروحات الفكرية والثقافية بأصوات وأقلام الدعاة لتحقيق الوحدة الإسلامية، و لكنها تبقى كمقطوعات أدبية جميلة قابعة في الملفات الصوتية و الورقية إن لم نسعى لتفعيلها و إخراجها لعالم الواقع كحقيقة قائمة على الأرض. والإخراج الفعلي لهدف الوحدة يتطلب وجود أو إيجاد مؤسسات تنفيذية تتولى تحقيقها كأولوية قصوى، و تعمل على حمايتها، من هنا جاءت أهمية الحديث عن الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه سلبا وإيجابا المؤسسات الرسمية في دولنا الإسلامية إزاء هدم أو تحقيق و تعزيز وحدتنا الإسلامية، وكيف يمكن أن تستغل هذه المؤسسات وسائل الإعلام كآليات تقويض وتفتيت أو عوامل بناء ودعم، هذا بالنظر لما تمتلكه المؤسسات الرسمية في بلداننا من صلاحيات سيادية تنفيذية عالية.

كيف نتعامل مع واقع هذه المؤسسات في بناء وحدتنا الإسلامية و حمايتها؟ هذا ما ستحاول الورقة أن تغطيه لمؤتمر الوحدة الإسلامية و ديعة محمد (ص).

مشكلة البحث

تقصّي الدور الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات الرسمية السياسية و الإعلامية في تفتيت الأمة، و كيفية التصدي لهذا الدور السلبي و تطويق آثاره.

محدوديات البحث – ( تعاريف )

الورقة معنية ببيان الدور السلبي الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات الرسمية السياسية و الإعلامية في تقويض أسس و إمكانات الوحدة الإسلامية، و ماذا ينبغي عمله لتعزيز هذه الوحدة و حمايتها.

  • مؤسسة

بتعريفها الوظيفي يصفها عالم الاجتماع فيبر Weber بأنها (( كيان يقوم على مبدأ تنظيم معظم نشاط أعضاء مجتمع أو جماعة حسب نموذج تنظيمي محدد مرتبط بشكل وثيق بمشاكل أساسية أو بحاجات مجتمع أو جماعة أو مجموعة اجتماعية أو بأحد أهدافها )).[1] فهي بذلك تجسد وجودا اجتماعيا له شخصيته الخاصة التي لا ترتهن بحياة مؤسسيها من الأفراد بل بالوظيفة التي تؤديها في النظام الاجتماعي السياسي ككل، و تدوم بعد زوالهم بدوام وظيفتها.

  • المؤسسة الرسمية

وهي المؤسسة العامة التي ترتبط بالنظام العام في المجتمع والدولة، فقد تكون مؤسسة سياسية كالبرلمان و الحكومة ورئاسة الدولة، وقد تكون غير سياسية مثلا إدارية، أو عسكرية، أو اجتماعية، أو قضائية، إلخ..[2]

الفصل الأول: محورية الوحدة في المشروع الإلهي

 ما هي الأهمية التي تتجسد في الوحدة الإسلامية على طريق تحقيق الأهداف الإسلامية الكبرى؟
وما أهمية الوحدة الإنسانية في سبيل تحقيق الأهداف الإنسانية من العدل و الرخاء والسلام في المجتمعات البشرية؟

 الوحدة الإسلامية

يقرر القرآن الكريم أن الوحدة الإسلامية ضرورة بمستوى ضرورة حفظ الوجود الإسلامي:-

  • (( ولا تنازعوا فتفشلوا و تذهبَ ريحُكُم و اصبروا إن اللهَ مع الصابرين )) الأنفال/46

و هذا يعني أن فقدان الوحدة الإسلامية يؤدي إلى زوال الوجود الإسلامي.

و ليبقى الإحساس بضرورتها حيا في النفوس و يدفعنا لتجاوز الخلافات يذكرنا الله سبحانه في كتابه الكريم:-

  • (( و اذكروا نعمةَ اللهِ عليكم إذ كنتم أعداءً فألّفَ بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا و كنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبينُ اللهُ لكم آياتِهِ لعلكم تهتدون )) آل عمران/103.

و في مطلع نفس الآية السابقة أمر إلهي بالوحدة:-

  • (( و اعتصموا بحبلِ اللهِ جميعا و لا تفرَّقوا ))

و في مقطع آخر من السورة تحذير من الفرقة:-

  • (( و لا تكونوا كالذين تفرَّقوا و اختلفوا من بعد ما جآءَهمُ البيّناتُ و أولئك لهم عذابٌ عظيم )) آل عمران/105

تنفيذ شريعة الله تعالى في حياة الإنسان منوط بوجود الكيان الإسلامي المقتدر و الحاكم و المؤثر، و هذا مما لا سبيل إليه إلا بالوحدة الحقيقية الفاعلة بين المسلمين.

الوحدة الإنسانية

ولم يغفل الإسلام عن التذكير بالوحدة الإنسانية كنعمة ينبغي التأكيد على تعزيزها و استثمارها في سبيل تحقيق أهدافه الإلهية في تحقيق السعادة و العدالة و الأمن لجميع الناس.

قال تعالى:

  • (( كان الناسُ أمةً واحدةً فبعثَ اللهُ النبيينَ مبشّرينَ و منذرينَ و أنزلَ معهمُ الكتابَ بالحقِّ ليحكمَ بين الناسِ فيما اختلفوا فيه )) البقرة/213.
  • (( يا أيها الرسلُ كلوا من الطيِّباتِ و اعملوا صالحا إني بما تعملونَ عليمٌ و إنَّ هذه أمتُكُم أمةً واحدةً و أنا ربُّكم فاتَّقون )) المؤمنون/52،51.
  • (( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) الممتحنة/ 8 .
  • و يقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله و سلم   (:(( ألا و من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً على غير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة )) [3].
  • وجاء في عهد الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لمالك بن الحارث الأشتر: (( وأشعِر قلبكَ الرحمةَ للرعيةِ والمحبّةَ لهم ، واللطفَ عليهم ، ولا تكونَنَّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلَهُم ، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، و إمّا نظيرٌ لك في الخلق )).[4]

أما كون البشر جميعا نظراء في الخلق فهو مرتكز عقائدي و شرعي إسلامي لاستحقاقهم الرحمة من منطلق الهدف الأساسي من الرسالة الإسلامية الخاتمة للأديان:-

  • (( و ما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين )) الأنبياء/107

و أسلوب الخطاب الفكري والعقائدي مع أهلل الملل الأخرى يقرره القرآن بالشكل التالي:-

  • (( قل يا أهلَ الكتابِ تعالَوا إلى كلمة سواءٍ بيننا و بينَكم ألاَّ نعبدَ إلا اللهَ و لا نشركَ بهِ شيئا و لا يتخذَ بعضُنا بعضا أربابا من دونِ الله )) آل عمران/64

و هو أسلوب و طريقة ترسم لنا أسس الوحدة الإنسانية و الإسلامية، و تعطينا الضوء لاستكشاف الآليات الفعلية و المناسبة لتحقيقها على أرض الواقع.

تعريف الوحدة

تجمّع منظم لمفردات تلتقي على خدمة أهداف أو قضايا مشتركة لتكوّن من أجلها حالة إتحاد كاملة أو حالة تداخل متكاملة.

هذا التعريف المستوحى من الآية السابقة يعين لنا مستويات وأشكال للوحدة. من حيث مستوياتها فهي نوعان: انطباقية أو تشاركية.

الوحدة الانطباقية

تتكون من حالة الإتحاد الكاملة بجميع الأبعاد حينما تتشابه المفردات المكوّنة لها من أشخاص أو كيانات اجتماعية أو دول و تتطابق أهدافها و قضاياها.

وهي نادرة الحدوث لندرة وجود حالة التشابه بين أي اثنين من الأشخاص أو المكونات الاجتماعية، فالاختلاف سنة إلهية ارتضاها الباري عز و جل لابتلاء خلقه و تكاملهم في الحياة الدنيا.

  • (( ولو شاءَ ربُّك لجعلَ الناسَ أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين)) هود/118.
  • (( الذي خلقَ الموتَ والحياةَ ليبلوَكم أيُّكُم أحسنُ عملاً وهو العزيزُ الغفور)) الملك/2.

الوحدة التشاركية

وهي وحدة تكاملية تتحصل بتلاقي مكوناتها في بعضٍ من أهدافها أو قضاياها فينهض كل طرف بحاجات الآخر في سبيل تحقيق المصالح المشتركة.

وهي الوحدة الممكن أن تتحقق في دنيا الواقع بأشكال مختلفة بحسب نوع الأهداف و طبيعة القضايا.

أشكال الوحدة

وهي أشكال تتعدد و تتنوع بتعدد و تنوع محاور تكونها، فإذا أسست على الشراكة الفكرية فهي وحدة فكرية، وإن تخصصت في العقيدة فهي فكرية عقائدية كوحدة الكنيسة الكاثوليكية المتمثلة في الفاتيكان ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي تتألف من ست وخمسين دولة ومنظمة دولية. أما إذا أسست الوحدة على أساس الانتماء فهي وحدة اجتماعية و هي إما تكون على أساس العائلة أو القبيلة أو المنطقة أو الوطن أو الإقليم القومي، وأمثلة للوحدة الإقليمية القومية كل من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.

وإذا أقيمت الوحدة على أساس المصالح الاقتصادية فهي وحدة اقتصادية تخدم المنافع الاقتصادية للأطراف المشكّلة لهذه الوحدة، و نذكر أمثلة عليها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، ومنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، والسوق الأوروبية المشتركة. أما الوحدة التي تُأسس على قيم و تطلعات سياسية تسمى وحدة سياسية و قد تتمثل هذه الوحدة في صيغة حزب أو دولة أو مجموعة دول، و أمثلتها في الواقع متعددة نذكر منها الاتحاد الأوروبي، و المنظمة الاشتراكية الدولية.

أسس الوحدة التشاركية

هذا النوع من الوحدة بمختلف أشكالها تشترك في الأسس الآتية:-

  1. التجمع المنظّم الهادف لخدمة المشتركات المتفق عليها، و نقصد بالتجمع المنظم الذي يشمل التنظيم العرفي البسيط و الآخر الدقيق المرسوم بمهارة تنظيمية عالية.
  2. حفظ خصوصية الأطراف المؤسسة للوحدة.

ما يعنينا في بحثنا هذا من أنواع و أشكال الوحدة السابقة الذكر هو الوحدة الإسلامية و كيف نرتقي بها في خضم المخاطر التي ستستعرضها هذه الورقة لتكون جزء من وحدة إنسانية حضارية راقية في إيصال الإنسانية لآمالها المنشودة.

طبيعة الوحدة الإسلامية

والوحدة الإسلامية بطبيعتها الأساسية وحدة فكرية عقائدية، و طبيعتها العقائدية و الشرعية و الأخلاقية تلزمها أن تتطور إلى وحدة اجتماعية و اقتصادية و سياسية للاعتبارات الآتية:

  1. حيث أنها وحدة عقائدية (( واعتصموا بحبلِ اللهِ جميعا ولا تفرَّقوا )) آل عمران/103 فمحورها الأساسي حبل الله، أي القرآن الكريم و السنة المطهرة، والالتزام بهما هو الطريق و الوسيلة لتحقيق مرضاة الله سبحانه.
  2. و متى ما توفر التمحور الأول حول حبل الله في الوحدة الإسلامية بشكل حقيقي كما حصل في فجر الإسلام و تحقق به النصر الإسلامي الأول الرائع على الجبابرة الكسروية والقيصيرية آنذاك، فإنه تتحقق وحدة القلوب التي هي الملاك الحقيقي للوحدة الفاعلة كما نستوضح من النص الإلهي (( هو الذي أيدكَ بنصرهِ و بالمؤمنينَ، و ألَّفَ بين قُلوبهِم لو أنفقتَ ما في الأرضِ جميعاً ما ألفتَ بينَ قلوبِهم و لكنَّ الله ألَّفَ بينَهم إنَّه عزيزٌ حكيم )) الأنفال/63،62. ما الذي يمكن أن يؤلف القلوب؟ قطعا إنها ليست العوامل المادية ((لو أنفقتَ ما في الأرضِ جميعاً ما ألفتَ بينَ قلوبِهم ))، ولكن الإيمان العميق بالله سبحانه الذي يحكم عقل الإنسان وأحاسيسه هو الذي يدفعه لأخلاقيات الوحدة من حب للآخر وتفاني وتضحية وإيثار بكل غالٍ ونفيس في سبيل الله.
  3. الطبيعة العقائدية والأخلاقية للوحدة الإسلامية تعبر بها الحدود الجغرافية، وتجعلها تتجاوز العصبيات العرقية والقومية والإقليمية، وتترفع على المصالح السياسية والاقتصادية الفئوية الضيقة، بل تتسع لتشمل الإنسان بما هو إنسان في وحدة إنسانية خلاقة فهي:-
  • تؤمن أن الأصل للبشرية واحد: (( يا أيها الناسُ اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفس واحدةٍ )) النساء/1.
  • وعن الرسول (ص) : (( الناسُ سواسيةٌ كأسنان المشط )).[5]
  • وقال (ص): (( لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ إلا بالتقوى و لا لأبيض على أسودٍ إلا بالتقوى إنَّ أكرَمَكم عندَ اللهِ أتقاكم )).[6]
  • ويؤكد القرآن الكريم على أن المسير واحد: (( شرع لكم من الدينِ ما وصّى بهِ نوحا و الذي أوحينا إليكَ وما وصينا به إبراهيمَ وموسى وعيسى أن أقيموا الينَ و لا تتفرّقوا فيه )) الشورى/13.
  • والهدف من الخليقة واحد: (( و ما خلقتُ الجنَّ و الإنسَ إلا ليعبدون )) الذاريات/56.
  • و الرحمة هي الغاية من الرسالة و الشريعة الإلهية: (( و ما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين )) الأنبياء/107.
  • و إقامة العدل من الأسس التي يرتكز عليها النظام الإسلامي: (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامينَ بالقسطِ شهداءَ للهِ و لو على أنفسِكم )) النساء / 135.

الفصل الثاني: دور المؤسسات الرسمية والإعلامية في تقويض الوحدة الإسلامية

القوى التي تتمثل في دول أو مجموعات اتحادية من الدول، تلك التي تمتلك قدرات عسكرية و تكنولوجية و اقتصادية سياسية فائقة تتنافس فيما بينها على بسط نفوذها والسيطرة على ما يتأتّى لها من مناطق جغرافية استيراتيجية وشعوب أخرى غنية بموارد بلدانها وأقاليمها. ولما كانت وما زالت الساحة الإسلامية غنية بكنوزها الاقتصادية المختلفة، ومواقعها الجغرافية الحساسة وتعداد شعوبها المتنوعة الذي يزيد عن ثلث نفوس العالم، فإنها ومنذ القدم مطمع لهجمات استعمارية مباشرة وغير مباشرة للهيمنة عليها واستحلاب خيراتها والتحكم بشعوبها و تسخير مقدراتهم لمصالحها، فتعرضت سابقا لهجمات المغول والصليبيين، ومنيت بالاستعمار الغربي الذي فتت شعوبها وواقعها الجغرافي إلى مناطق متعددة وحدود فاصلة مانعة للتواصل فيما بينها ككيان وجسد واحد كما كانت في واقعها الإسلامي السابق والذي نشأت و تأسست عليه في عهد الخلافة الإسلامية.

بعد وعي الشعوب وإصرارها على المقاومة تخلصت الدول الإسلامية من الاستعمار المباشر ما عدا فلسطين، ولكن أكثرها لم يتخلص من الاستعمار غير المباشر من خلال العملاء المحليين الذين عادة يُمكّنونَ من مواقع عالية ومؤثرة في صنع القرار في بلدانهم.

لقد وجد الاستعمار أن السد المنيع الذي لا يمكنهم من السيطرة على المسلمين وديارهم وخيراتهم هو الإسلام، فإذا تمكنوا بعقيدة التوحيد وواجباتها الملزمة إياهم بالوحدة والحرية والعزة والمنعة فإنه لا يستطيع تحقيق أهدافه في السيادة على مقدراتهم، لذا جعلوا من الوحدة الإسلامية غرضا لمرمى سهامهم وخططهم التمزيقية الفتاكة، وقد أعانهم على تنفيذها عملاؤهم المحليون بما يملكون من أدوار ومواقع قرار في المؤسسات الرسمية والإعلامية.

 المؤسسات الرسمية و الوحدة الإسلامية

إذا كانت المؤسسات الرسمية في بعض الدول الإسلامية تمثل امتدادا حقيقيا للاستعمار الفعلي غير المباشر، أو امتدادا لمؤسساته وإرادته و خططه الطامعة بالمنطقة، فإنها ستلعب دورا بالغ الخطورة في تفتيت الوحدة الإسلامية داخل البلد الواحد وبين الدول الإسلامية المتعددة، خصوصا وأنها تملك لذلك المقدّرات المالية والتنفيذية الكبيرة، فقد تتمثل هذه المؤسسات بمؤسسة الحكم أو الهيئات الرسمية المتولدة منها والتابعة لها. ويمكن الإشارة لهذا الدور وتحديده بما يلي:

  1. استثمار الحدود الجغرافية المصطنعة التي أنشأها الاستعمار القديم في تقطيع الجسد الإسلامي الواحد إلى أجزاء متباينة متنافرة للتأكيد على الانقسامات السياسية وتجسيدها جغرافيا، واعتمادها كأساس لمشاريع قومية في بث روح الفرقة، وقد رفعت و ما زالت شعارات مثل مصر للمصريين و العراق للعراقيين و فلسطين للفلسطينيين، و الأخير جسد لنا الثمرة المرة لهذا المشروع بتخلي أغلب الدول العربية عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تخص الفلسطينيين، و هذا فكر طاريء على الحقيقة الشرعية التي يدركها و يؤمن بها جميع المسلمين أن تخليص أي بقعة محتلة من أراضي المسلمين واجب شرعي كفائي يتحمله كافة المسلمين بغض النظر عن مناطقهم الجغرافية.
  2. خلق مناطق تنازع بين الدول الإسلامية على صحراء أو جبل أو سهل أو جزر… و لا تكاد تخلو دولة عربية و إسلامية من مثل هذه القنابل الموقوتة التي تشعل الخصومة و الحروب، و تقطع الطرق على كل الجهود المبذولة لتجميع شتات الأمة وبناء وحدتها. فنظرة واحدة فاحصة نرى بها المشكلة من هذا النوع بين تركيا و سوريا، و بين الجزائر و المغرب، و بين الهند و الباكستان، و بين إيران و الإمارات العربية..و..
  3. مسخ الهوية الإسلامية، و قطع الأمة عن جذورها الفكرية العقائدية، و تشويه رؤيتها الثقافية الإسلامية، و في المقابل العمل على تغريبها كما حصل في تركيا و معظم دول المغرب العربي. و تسخّر المؤسسات الرسمية لهذه الغاية الاستيراتيجة بالنسبة لها كل ما تملك من وسائل و آليات مؤسسية ثقافية و تربوية تعليمية كجامعات و مدارس، و اجتماعية كجمعيات سياسية و أخرى اجتماعية و نوادي، و مؤسسات و أجهزة إعلامية.
  4. إضعاف المشتركات التي تعيشها الأمة الإسلامية فيما بينها و التقليل من مساحة هذه المشتركات إلى حد العدم ما أمكن ذلك، كإضعاف اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم و المثال في ذلك ما حدث في تركيا بعد سقوط الخلافة العثمانية بجعل اللغة التركية اللغة الرسمية و عمموا تعلمها على أبناء الأمة، و تكرر المثال أيضا في دول المغرب العربي أيضا في عهد الاستعمار المباشر عليها و حتى بعد رحيله.
  5. تعزيز الفوارق الثقافية و الدينية و العرقية و القومية، كتعزيز اللهجات المحلية على حساب العربية الفصحى في الدول العربية، و إثارة فتنة الإخبارية و الأصولية بين أتباع المذهب الجعفري في العراق من قبل بريطانيا، و التي خلقت معركة ثقافية اجتماعية سارع للقضاء عليها حكمة مراجع الدين و يقظة أبناء الأمة المخلصين.[7] و من أجل فصل المسلمين عن تاريخهم الإسلامي المشترك عمدوا إلى إحياء الفرعونية في مصر كتاريخ مميز يؤطر المصريين بإطار مختلف عن سائر المسلمين و يراد أن يخلق في وعيهم أن حاضرهم ينبغي أن يكون امتدادا للتاريخ الفرعوني لا الحقيقة الإسلامية، و على نفس المقصد أحييت الفينيقية في لبنان، و البابلية في العراق، و الكورشية في إيران.
  6. الاعتماد على الطابور الخامس الذي يضم الانتهازيين و المنتفعين من عبيد الدنيا و أعداء الأمة، و ذلك ببثهم كجواسيس في صفوف المخلصين من المسلمين و تجمعاتهم لرصد وتصيد تفاصيل أخبارهم و أحوالهم، و توظيف نقاط ضعفهم و مشاكلهم بعد تضخيمها و تعقيدها لتفتيتهم و تمزيق صفوفهم و تبديد شملهم و تيئيسهم من الوصول لأهداف العزة و الكرامة الإسلامية.
  7. استثمار حالة الجهل و الروح الفئوية الضيقة في إذكاء الطائفية و المذهبية بين صفوف المسلمين و العمل على اشتدادها بشتى الأساليب حتى تصل إلى مستوى العداء و الاقتتال كما يحدث بين السنة و الشيعة في باكستان و افغانستان و العراق.

المؤسسات الإعلامية و الوحدة الإسلامية

المؤسسات الإعلامية إذا كانت تابعة للمؤسسات الرسمية و مملوكة لها كما هو الحال في غالبية الدول العربية و الإسلامية فإنها ستؤدي رسالتها في تفتيت الوحدة و شرذمة الأمة الإسلامية بشتى وسائلها المقروءة و المسموعة والمرئية، و ما يلي أشكال من تجسد هذه الرسالة الإعلامية في تحقيق أهداف المؤسسات الرسمية:

  1. تغييب الشارع الإسلامي عن همومه المركزية كقضية تحرير فلسطين و مقدسات المسلمين، و إشغاله بقضايا هامشية تصرف طاقاته عن قضاياه المصيرية.
  2. تضخيم أخبار و أبعاد النزاعات و الخلافات السياسية الجغرافية، و الصراعات المذهبية و العرقية و القومية داخل البلد الواحد و بين البلدان الإسلامية، بما يحشد الطاقات تجاه عداوات وهمية يراد للمسلمين الانشغال بها و استهلاك جهودهم عن التصدي لأعدائهم الحقيقيين.
  3. تصغير و تهميش بل و طمس الانتصارات الإسلامية عن شعوبها، و تزييف المعلومات بما يحرم الأمة من الانبعاث مجددا و تركيز النظر على عدوها الفعلي لتتوحد طاقاتها في مقارعته، كما حصل تجاه الانتصار الكبير مؤخرا الذي حققته المقاومة الإسلامية في لبنان بردع العدو الصهيوني مندحرا.
  4. يسهم الإعلام المؤسسي الموجه بقوة في رسالة التغريب الفكرية و الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية و طمس الهوية الإسلامية، و إشاعة النمطية الحياتية الغربية في طبيعتها الاستهلاكية، و المرتكزة على مفهوم الحرية المنفلته عن كل ضوابط  الحياء والعفة والقيم الأخلاقية.
  5. إثارة روح المظلومية و المطالبات الحقوقية لدى الأقليات الدينية و العرقية في بلدانها، لا لغاية إنسانية و حقوقية موضوعية، و لكن من أجل روح النزاع و الكراهية و إشغال الفئات ببعضها عن مشاكلها الحقيقية.
  6. بث الأخبار الكاذبة من أجل تفويت الفرصة على الأمة للتعامل مع الحقائق وفق استحقاقاتها الموضوعية التي تتطلب الوحدة و رص الصفوف.
  7. تشويه صورة الدعاة و المناضلين من أجل قضايا الأمة بإشاعات مغرضة و غير صحيحة لعزلهم عن الأمة و تحويلها إلى قدوات زائفة يلمع الإعلام أشخاصها و يعمل على إبرازها.

الفصل الثالث: كيف نحقق الوحدة الإسلامية

ما دام الوجود الإسلامي مستهدف، و الوحدة الإسلامية تبعا لذلك مستهدفة في صراع الحضارات الذي رفعت شعاره مجددا و بقوة و جسدته على أرض الواقع الولايات المتحدة الأمريكية التي تحلم بالتفرد بالسيادة العالمية و تسعى لها. نعم و ما دام الوجود الإسلامي في ظروف الصراع التي نعيشها يتوقف على تحقيق الوحدة الإسلامية كضرورة فلا يمكن التخلي عنها (( و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهبَ ريحُكُم و اصبروا إن اللهَ مع الصابرين )) الأنفال/46.

إقامة الوحدة التشاركية

وتحتاج إقامتها إلى خطوات أساسية لازمة أبينها في نقاط:-

  1. إقامة مؤسسة إسلامية بحيث تتشكل أطرافها و تتألف من مختلف الكيانات الإسلامية الناهضة في مختلف الدول الإسلامية أفرادا و جماعات، بحيث يكون همها و مهمتها الأساسية خلق وحدة إسلامية بصيغة الوحدة التشاركية التي تركز على المشتركات الأساسية، و تقبل للفرقاء أن يحتفظوا بخصوصيتهم، و التي بطبيعتها وحدة فكرية عقائدية و اجتماعية و اقتصادية و سياسية بحيث ترقى لتبني أطروحة الخلاص و الإنقاذ للأمة الإسلامية، و تعمل في الناس من منطلق أنهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، و إمّا نظيرٌ لك في الخلق.
  2. و ينبغي ألا يحمل هذا الكيان الوحدوي عنوان المؤسسة بالاسم، بل يعتمد النهج المؤسسي الجاد في تحقيق الوحدة الإسلامية و الإنسانية الحقيقية، و يضع ميثاق ينظم العلاقة بين أطرافه و يرسم لها الرؤى و المهام و الأهداف و البرامج ضمن خطط استيراتيجية بعيدة المدى يشارك فيها الجميع، و يحدد وفق هذه الخطط الصادقة الأولويات و الإمكانات و الفرص و التهديدات و المراحل و السياسات الفكرية و الثقافية و التربوية و الاعلامية و الاجتماعية. نعم هكذا يكون الاعتصام بحبل الله سبحانه (( و اعتصموا بحبلِ اللهِ جميعا و لا تفرَّقوا )) آل عمران/103.
  3. الاستفادة من تجارب الاحباطات  السابقة و المتعددة سابقا في إقامة وحدة إسلامية، و دراسة وحدات تشاركية ناجحة في أمم و دول أخرى في أي مجال من مجالات الحياة و التدبر في عوامل نجاحها أو فشلها.
  4. إشاعة ثقافة التسامح و القبول بالآخر و التي تنسجم مع تصنيف الناس في التعامل معهم على قاعدة أنهم إمّا أخٌ لك في الدين، و إمّا نظيرٌ لك في الخلق.
  5. إشاعة ثقافة الوحدة و أخلاقياتها الإسلامية العالية من الحب و الرحمة و حسن الخلق و الإصلاح و الصبر و التسامي و التفاني و التضحية و الإيثار، و التوعية على مكائد الأعداء و المخاطر التي تهدد الوحدة الإسلامية، و سبل حمايتها.
  6. الخروج من عقلية التعامل مع الآخر كأننا نملك الحقيقة المطلقة، فنندفع على ضوء هذه العقلية و طريقة التفكير إلى رفض و إلغاء من يخالفنا في قناعاتنا. و بدل هذه النمطية المشتتة نتبنى النظرية النسبية للحقيقة في الأمور الواقعة.
  7. و حماية لهذه الوحدة المؤسسية تحدد آليات يوافق عليها الجميع لفض النزاعات المحتملة الحدوث في المسار الوحدوي.

مراجع البحث

1) العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي، الميزان في تفسير القرآن الكريم، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1972م.

2) د. صبحي صالح، نهج البلاغة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى.

3) الشيخ محسن الحسيني، نظرات في الوحدة الإسلامية، مكتب الشيخ الحسيني.

4) د. خديجة المحميد، موقع المرأة في النظام السياسي الإسلامي، الطبعة الأولى، شركة مطابع الوزان العالمية، الكويت، 2007م.

5) الشيخ جعفر السبحاني، معالم الحكومة الإسلامية، دار الأضواء، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1984م.

6) د. أحمد سعيفان، قاموس المصطلحات السياسية و الدستورية و الدولية، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 2004م.

7) المستشار سالم البهنساوي، الشريعة المفترى عليها، دار الوفاء للطباعة والنشر و التوزيع، مصر، المنصورة، الطبعة الأولى، 1995م.

8) محمد مبارك، نظام الإسلام: الحكم و الدولة، دار الفكر، بيروت، القاهرة، الطبعة الأولى، 1974م.

9) المعارف الإسلامية، الإسلام و الحياة، الآثار المترتبة على الأخلاق الحسنة، موقع تبيان الإلكتروني  www.tebyan.net، 17/9/2007م.

10) د. أحمد سعيفان، قاموس المصطلحات السياسية و الدستورية و الدولية، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 2004م.

11) د. عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، الجزء السادس، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 1990م.

12) السيد محمد باقر الحكيم، الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين، المجمع العالمي لأهل البيت،إيران- قم، الطبعة الأولى، 1413 هجرية.

13) حركة التوافق الوطني الإسلامية، المكتب السياسي، مؤتمر التوافق السنوي الثاني، الوحدة الوطنية، الكويت،2005م.

14) منظمة الإعلام الإسلامي، قسم العلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي، إلى الوحدة أيها المسلمون، إيران – طهران، الطبعة الأولى، 1401هجرية – 1982م.

————————————

[1] – د. عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، الجزء السادس، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 1990م، ص 477.

[2] – د. أحمد سعيفان، قاموس المصطلحات السياسية و الدستورية و الدولية، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، 2004م، ص 298.

[3] – المعارف الإسلامية، الإسلام و الحياة، الآثار المترتبة على الأخلاق الحسنة، موقع تبيان الإلكتروني  www.tebyan.net، 17/9/2007م.

[4] – د. صبحي صالح، نهج البلاغة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى، ص 427.

[5] – الشيخ جعفر السبحاني، معالم الحكومة الإسلامية، دار الأضواء، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1984م، ص 414. المستشار سالم البهنساوي، الشريعة المفترى عليها، دار الوفاء للطباعة والنشر و التوزيع، مصر، المنصورة، الطبعة الأولى، 1995م،ص 160.

[6]  – محمد مبارك، نظام الإسلام: الحكم و الدولة، دار الفكر، بيروت، القاهرة، الطبعة الأولى، 1974م، ص 44.

[7] – الشيخ محسن الحسيني، نظرات في الوحدة الإسلامية، مكتب الشيخ الحسيني، ص 13.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.