مَن يتصوّر أن يقطع أعظمُ إنسانٍ (ص) الفيافي، ليدعو “سادة” ثقيف بحكمته ولهفتِه، فيزجره أحدُهم: (أعَجز الله أن يرسل غيرك؟!)، واستخفّ آخرُ بمنطقٍ أسخف: (لئن كنتَ رسول الله لأنت أعظم من أنْ أكلّمك، ولئن كنتَ تكذب على الله لأنت شرٌّ من أن أكلمك!)!! هذا منطق سادة الأمس ويُوجَد اليوم مثيله ومثيلهم.

لكأنّ الله حين أخبر: (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ)، أخرج البعضَ أطفالاً ثمّ حرمهم بلوغَ النضج!

الإنسانُ الناضج يعتبر الإخفاق سبباً للترقّي، ولقد حاول أديسون (600) مرّةً ليكتشف المصباح، لكنّه لم يقل أنه فشل (599) مرّة، بل قال: تعلمت (599) طريقة لا يضيء بها المصباح!

لكنّ كثيراً من المسئولين يصرّون على اللامنطق دفاعاً عن الخطأ، والتشبّث بموقع فشلهم، وتكرار محاولة الفشل نفسها، وعدم الترقّي الذاتي.

فالوزراء حين يُستجوبون لتصحيح مسيرتهم يكذبون ويُراوحون، المسؤولون حين يُساءلون يزوِّرون ويُموّهون، الرؤساء حين تُفتَح ملفّات خياناتهم وتلاعبهم وعمالتهم للهيمنات، يزعقون كالأطفال، ويستجدون تصديقهم بالأيْمان الكاذبة، وبالتندّر بتقارير الخصوم، يظهرون على التلفاز ويُمثّلون على الجماهير ليخدّروا الوعي بأكاذيبهم، ويُؤجّلوا روائح انفضاحهم، يَهرجون ويُهرّجون علّ الجماهير تتدغدغ لصفاقتهم وتتشكّك بحقيقة انهيارهم، ما أصغرهم حين يتظاهرون باستطالاتٍ خاوية، من دواخل متقزّمة!

تجدُ كباراً كثيرين انتفخوا بأردية ألقاب (السيادة) والعظمة، والسموّ، والسعادة، والسماحة، والنيافة، والفضيلة، وغيرها، ومتى اخترقتَ الألقابَ، واجتزتَ دهاليز الضخامة الجسدية والفخامة الاسميّة و(السيادة) الاجتماعية والشخصية، لتتوغّل إلى دواخلهم ستجد (الطفل) الذي لم يبلغ أشدّه بعد، قابعاً متمترساً هناك وقد شحبت معالمُه من السنين وطالت أظفارُه وأسنانُه، لذلك أولئك (السادة) يجزعون كالأطفال، يأكلون كالأطفال، يعبثون بمصائر الغير، يحقدون ويحسدون، يستأثرون كالأطفال، ينتظرون المديح المجّانيّ، ويبغضون المحاسبة والنقد، يكذبون في كلّ صغيرة ويقضمون أظافرهم كالأطفال، ويُحامون عن أنفسهم بكلّ وسيلة وبكلّ منطق سخيفٍ ومُزرٍ، يُكابرون، يُعاندون، يتخندقون، ويفزعون، أحلامُهم كوابيس وأخلاط، عقولُهم صغيرةٌ، تدورُ حول اهتماماتهم الشخصيّة وأجسامهم وهندامهم، ومفاخرهم، ومسلسلات أكاذيبهم.

إن ابتلاك اللهُ فدخلت وإيّاهم حواراً وجدالاً، جابهوك بالعصبية والخصومة، وفاحَ لامنطقُهم، يُكلّمونك بغريزة بقائهم وصراع المُغالباتِ (الطفولية)، بدلاً عن فطرة التعاون والتعارف للاكتمال (الإنسانية).

الفرق أنّ الطفل مجبورٌ على طفولتِه لأنّها مرحلته، بينما الكبار لديهم خياراتٌ تقتضيها مراحلهم ليُحسنوا صناعة أنفسهم فيها، ومع هذا فالطفل أيسر عليه مفارقة طفولته لأنّ الطبيعة تسعفه كولادة طبيعية يرتقي منها للنّضج، أمّا الكبير فلن ينسلخ من طفولته بعد تيبّس السنين ومديدِ تشبّثه بها وتضخّمه إلاّ بولادة قيصريّة أشبه بالمستحيلة إلاّ على ذوي العزم، أمّا الفرقُ الأخطر؛ فقلّة خطر الطفل إن واجهته بخطئه، لأنّه يفتقد قوّة الإيذاء وشرور الكيد، وتنتهي معركته بانتهاء الحدَث، بخلاف الكبار، الذين بامتلاكهم القوّة يُصبحون مرابضَ إيذاء، ومشاريعَ تشويه وتشهير وتضليل، يشحذون مواضي ألسنتهم وأسلحتهم؛ من نفوذ وإعلامٍ وفتاوى وتسخير قانون وتأليب أتباع، فالطفلُ الصغير الذي يصرخ بالأمس ويرفس، بات يمتلك أبواقًا وصحفًا وإذاعات وحرساً وأتباعاً، وله عقل مرّسته خبراتٌ ومطالعاتٌ في الكيد والتخطيط للإيذاء، بل له لباقة وثقافة وتديّن ودمقرطة وألبسة وأقيسة تستر شروره وتُلطِّف سمومه.

أحدُ الحكماء يُخبِر أنّه عاشر أصنافَ الناس؛ جاهلَهم ومتعلّمَهم، تابعهم وزعيمَهم، عامّيهم وفقيهَهم، ولم يستطع التفريق بينهم حين تُحاصرهم الحُجّة، فطفلُهم واحد، ولامنطقهم واحد، وهذيانهم وطيشهم ونزَقهم واحد، وزعيقهم وانتقامهم نفسه، سوى أنّ انتقام بعضهم أقوى لامتلاك صاحبه السلطان، وبعضه أخفى بحكم مكانة صاحبِه الاجتماعية وغلافه المُمَوِّه.

إنّ المحضن التعليمي والتربوي الذي احتوشهم صغاراً لم يسعفهم على صناعة (ذاتٍ) ناضجة، ولم يُساعدهم حينها في الإفادة من خبراتهم الخاطئة، بتعليمهم خطأ “الخطأ”، وبتدريبهم الإقرار بالخطأ حين يحصل، بلا مُكابرة، ولا إنكار أنّهم فعلوه خلفَ متاريس الجدل، بل تعليمهم وتدريبهم على رؤية الأمور على حقيقتها.

فلذلك انحدروا لإنسان ناقصٍ مُعاندٍ في نقصانه ويدّعي الكمال! ومُبالغ في جموده الإنساني والروحيّ! لا يُؤتمن على مصائر ناسٍ ولا وطن، ما لم ينضج ويتجاوز دفاعاته النفسية المطبِّعة له على ممارسة القمع والإسقاط وردود الفعل العنيفة.

إنّ الأطفال الكبار يحسبون أنّهم حين يكذبون لن يُكتشفوا، مع أنّ أشداقهم تفضحهم، وحركاتهم، وحكّاتهم، وألوانهم، ونظرات عيونهم، وتهدّج أصواتهم، وكثرة دفاعاتهم، وافتعال سخريتهم وتهكّمهم، وتكرار كلامهم، وروغان خطابهم، ولحن صراخهم، وغلظة أيْمانهم، وثورانهم لأشخاصهم (لاحظوا كمثال خارجي: السيّد “وليد” جنبلاط، كيف يتكلّم ويلوي ويكيد ويتندّر ويبذر الفتن الطائفية والسموم بتغليف وطني وتهويليّ، بل وخطاب أمثالِه المفرّقين أيضاً، وثمّة أمثالهم في بلدنا)!

الإنسانُ كفرد، تقع عليه مسئوليّة مراقبة نفسِه، متحقّقاً مِن عينٍ عليا لا تنام تُراقبه، ليرعوي عن غشيان ما يشينه ويُسفِّله، وما يُفسد محيطه الاجتماعي والبيئي.

وكمجتمع إنساني، فإنّ دعامة بقائنا الإنساني التيقّظُ لأولئك الأطفال المتضخّمين كسادةٍ، لئلاّ يتولّعوا بنا متحكّمين، يتلاقفونا لمآرب غرائزهم وتطمين فزعاتهم وممارسة لهوهم، فكم انحشرت عوائلُ كبيرةٌ في معارك ضاريةٍ لخصومة طفليْن مدلّلين لديها، وأطفالُ الأمس صاروا قادة طوائف وزعماء أثيرين ونوّاباً اليوم وسادة، فلنحذرْ الاكتواء بمعارك أطفالنا الكبار!

شارك بتعليقك

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

عصى آدم..الحقيقة دون قناع
  • معصية آدم، نموذج لمفردة في البناء المعرفي! وحلها سيعيد لإنساننا خارطة نفسه وهويته الضائعة وهدف وجوده
  • معرفة هذه الحقيقة صدمة تعيد الوعي، نعقد بها مصالحة بين التراث والمستقبل لنعيش لحظة الحاضر بيقظة أننا على جسر التحول الإنساني، الذي بدأ في الأرض بالإنسان الهمج ليختتم بالخليفة "الإنسان الإنسان"
مسخ الصورة..سرقة وتحريف تراث الأمة
  • أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها غرس دولة لليهود في خاصرة الأمة فزوروا التاريخ العربي ونسبوه لليهود
  • اختلقوا لغة بسرقة إحدى اللهجات القبلية العربية البائدة وأسموها اللغة العبرية
  • أقحم الدين والتاريخ للسيطرة على عقول الناس ونقلت رحلات الأنبياء من مواقعها ليأسسو لاحتلال فلسطين فساهم هذا التزوير في مسخ صورة العربي والمسلم في الثقافة الغربية
مفاتيح القرآن و العقل
  • إذا كان كلام الله واحداً ودقيقاً، كيف حصل له مائة تفسير؟
  • ماذا لو كانت أمتنا تقرأه وتترجمه معكوساً، كلبسها إسلامها مقلوباً؟
  • أصحيح هذا "المجاز" و"التقديرات"،و"النسخ" و"التأويل" و"القراءات"؟
  • هل نحن أحرار في قراءة القرآن وتدبره أم على عقولنا أقفال؟
نداء السراة..اختطاف جغرافيا الأنبياء
  • ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة
  • هل تموت الحقيقة أم تتوارى عن الأنظار لتعود .. ولو بعد حين؟
  • هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغريبة؟
  • هل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟
الخلق الأول..كما بدأكم تعودون
  • إن البشر الأوائل خرجوا قبل مئات آلاف السنين من "قوالب" الطين كباراً بالغين تماماً كالبعث
  • جاء آدم في مرحلة متأخرة جداً من سلالة أولئك البشر اللاواعي، فتم إعادة تخليقه في الجنة الأرضية ونفخ الروح فيه
  • آدم أبو الناس ليس هو آدم الرسول الذي أعقبه بمئات القرون
الأسطورة..توثيق حضاري
  • الأساطير وقائع أحداث حصلت إما من صنع الإنسان، أو من صنع الطبيعة، أو من صنع السماء
  • لكل اسطورة قيمة ودلالة وجوهراً وتكمن فيها أسرار ومعاني بحاجة إلى إدراك وفهم
  • من الضروري العودة إلى اللغة العربية القديمة بلهجاتها المختلفة لفك رموز الأساطير التي غيب الكثير من مرادها ومغازيها
التوحيد..عقيدة الأمة منذ آدم
  • لو أنا أعدنا قراءة تراثنا بتجرد لأدركنا حقيقة اليد الربانية التي امتدت لإعداة الانسان منذ خطواته الأولى على الأرض بما خطت له من الهدى
  • التوحيد منذ أن بدأ بآدم استمر في بنيه يخبو حيناً ويزهو حيناً آخر، ولكنه لم ينطفئ
بين آدمين..آدم الإنسان وآدم الرسول
  • هل هما (آدمان) أم (آدم) واحد؟
  • من هو (آدم الانسان) الأول الذي عصى؟
  • من (آدم الرسول) الذي لا يعصي؟
  • ماهي شريعة (عشتار) وارتباطها بسقوط آدم الأول حين قارب شجرة المعصية؟
طوفان نوح..بين الحقيقة و الأوهام
  • ما قاله رجال الدين والمفسرون أعاجيب لا يقبلها المنطق ولا العقل السليم في محاولتهم لإثبات عالمية الطوفان
  • استثمر المستنفعون من اليهود هذه القضية ليبتدعوا القضية السامية ويرجعوا نسبهم إلى سام بن نوح (ع)
  • قضية طوفان نوح (ع) لا تكشف التزوير اليهودي فحسب، بل تضع يدها على موضع الداء في ثقافة هذه الأمة