قالها على سبيل الفكاهة والتندّر: “حسناً، سنصدّق جدلاً أن ما نُشر في الصحف على لسان بعض المسئولين من تصريحات (غير مسئولة) أن هناك 2000 وظيفة شاغرة في القطاع الخاص راتب بعضها يصل إلى 3000 دينار (!) ورغم ذلك نقول لهم نحن سنقبل أن نحذف صفراً من هذه الأصفار الثلاثة، ونرضى براتب 300 دينار فقط”. التقيته، كما التقيت المئات مثله، من الشباب المؤهل جامعياً، ممن يبحثون عن عمل بحيرة ويأس شديدين في “معرض الوظائف”، يطرقون كل باب مع علمهم مسبقاً بأنها مؤصدة أمامهم، وأن ما يتردّد في الصحف من تصريحات المسئولين عن توظيف الجامعيين العاطلين لا يعدو أن يكون كذبة صادقة، يعلم كذبها يقيناً المواطن الذي يرى نفسه، وأخته، وزوجته، وجاره، وزميله في الدراسة، وعشرات ممن يعرف من حاملي الشهادة الجامعية كلّهم عاطلين عن العمل، وقد لا يعلم صدقها إلاّ قائلها بفبركة ساذجة يخدع بها نفسه ولا تنطلي على غيره. عند مدخل “معرض التوظيف”، يخال للمرء أن ثمّة اعتصاماً أو مظاهرة سلمية أعدّها (العاطلون) البحرينيّون لكثرة المنتظرين منهم على أبواب المعرض…
“ليكن الأمر واضحاً فيما بيننا أنه لا يوجد مكان لشعبين في هذا البلد، فلن نتمكن من تحقيق أهدافنا إذا بقي العرب في فلسطين، وليس هناك طريقة أخرى سوى أن نهجّر العرب – كل العرب – من هذه البلاد إلى الدول المجاورة، فلا مجال لبقاء ولا قرية واحدة، أو حتى عائلة واحدة هنا” هكذا كان يخطّط (جوزيف ويتز، رئيس قسم الوكالة الكولونية اليهودية -1940) قبل أكثر من ستين عاما. اليوم -بعد مرور ستين عاماً على احتلال فلسطين– وبعد كل ما ارتكب بحقّ الشعب الفلسطيني من جرائم، تمرّ إسرائيل بأضعف وأسوأ حالاتها المعنوية والعسكرية والأمنية وليس أدلّ على ذلك من هذه الاحتفالية (الستينية) التي طغت عليها المغالاة والافتعالية في محاولة لإخفاء مشاعر القلق الإسرائيلي تحت ستار من الزهو والإيحاء بالقوة التي نقرأها في تصريحات المعنيين ببقاء الكيان الغاصب من الأمريكان والغرب في هذه المناسبة لتطمين مريضهم المصاب بالذهان بمساندتهم له، تحسّباً من ردود أفعاله غير المتوقّعة التي قد توقعهم في حرج دولي. فبرلسكوني الإيطالي مثلاً، يكتب في صحيفة “يديعوت أحرنوت” مبالغاً في…
ليس أضرّ على السلطان، أو الرئيس، أو الملك، أو الوزير أو أيّ من أصحاب القرار، من جوقة تحيط به تؤيّده على جميع أفعاله بعد أن تجمّلها له وتبرّرها حتى تقنعه بأنّ الحق يدور معه أينما دار، ومع ذلك يأبى أكثرهم إلاّ أن يتحصّن بها ويستمدّ الشعور بالرضا عن النفس من ممالآتهم، فتُسَخَّر جُلّ وزارات الدولة، ومكاتبها الإعلامية، والناطقين الرسميين باسمها للردّ على كل نقد أو توجيه يوجّه لأي وزارة أو مكتب تابع للدولة لأنّ المساس بها كأنه مساس بذات السلطان المقدّسة. وقد يعلّل ذلك الأسن، والخمول، والموت السريري الذي أصاب الكثير من وزاراتنا، فلا تخلو مؤسسة من مؤسسات الدولة من مكتب للردّ على شكاوى (المواطنين) لتنبري سريعاً في الدفاع عن أنظمتها وشخوصها بجمل أدبية فضفاضة، لا مصداقية لها، وبعيدة كل البعد عن الواقع همّها إجراء عملية تجميل سريعة لترميم الأقنعة التي كادت تكشف عمّا وراءها، أمّا مكاتب تقصّي الحقائق – إن وجدت – فلن تختلف أهدافها عن تلك وإن تسمّت بمسمّيات مغايرة، فالأصل أنّ النقد غير مقبول وإن كان حقّاً،…
أوّل ما طرقتْ أذني كلمة (دياية) وأنا صغير ضحكتُ، ودماغي الصغير يُدغدغني: (يالها كلمة مضحكة)! فقلت: لعلّهم يقصدون بها (دجاجة) من النوعَ “المايع” وليس “الرزين”! ثمّ تفاجأت أنّ البعض تُضحكه بالمثل كلمةُ (دياجة) التي تخصّني، فأغاظني ضحكُهم “السخيف”!! مؤخّراً، مع سونامي الغلاء، واللهث للّقمة، وإذلال المواطنين بالعلاوة الزهيدة المأمولة! واستحالة استملاك قطعة أرض للسكنى، مع انسداد الأفق بعين المواطن المسكين لحياة كريمة مضمونة لأجياله، ومع زيادة الأثرياء ثراء، وجشع بعض التجّار لنشل جيوب الفقراء، بانتهاز الأوضاع ليُضاربوا بالسلع وبالضرورات، ويُضاعفوا أرباحهم الخياليّة، ظروفٌ تعصرنا لتُخرج وحوشنا، وقد تُخبّئ الأيّامُ خطوباً وكوارث آتية، فالجوع أبو الكفّار… ومع ذلك، فالبلاء قد يُفتّق إنسانيّتنا ويُلهمنا استعادة قيمنا المفقودة، قيَمٍ طرحناها بأرصفة النسيان، كقيَم تشكيل التعاونيّات، والتكافل الاجتماعي، والتضامن الأسري، والالتمام في بيت عائليّ نتراصّ فيه حميميّاً كقفص (الدجاج)، يضطرّنا إليه عدمُ توفّر أرض لسُكنى أبنائنا، بعد أن صار الاستثمار في البنيان أولى من الاستثمار بالإنسان. ومنها قيَم الاقتصاد؛ بتوديع عادة الاستهلاك والتبضّع والإسراف المادي، والطغيان بالنعمة، والتبطّر في المناسبات، لإعادة رشد الطبقة الوسطى…
أعجبني الاعتذار الذي تقدّمت به أربع وأربعون شخصية مسيحية لبنانية للفلسطينيين في الذكرى الثالثة والثلاثين للحرب الأهلية في لبنان عن أعمال غير مبرّرة أدّت إلى سقوط ضحايا أبرياء من الأخوة الفلسطينيين، وبرّر أحدهم ذلك بمرارة المتندّم الذي يتمنى لو تُمحى تلك الصفحات السوداء من كتاب أعماله بقوله: “نعترف بما فعلته أيدينا كي لا تتكرّر الأخطاء”، واعترف بعضهم أنه “عطّل عقله في تلك الحرب واستجاب لغريزته، ومهما يفعل فلن يستطيع أن يردّ نفساً بريئة إلى الحياة بعد أن أزهقها تعصباً وظلماً”، وقد أخذ هؤلاء على عاتقهم القيام بما يسعهم للحيلولة دون وقوع حرب أهلية ثانية، تكفيراً، وتعبيراً صادقاً عن ندمهم على ما فعلوا، ومحاولة للتخفيف من سياط ضميرهم الذي يلاحقهم رغم تقادم زمن الجرائم التي ارتكبوها في أوج غرورهم الحزبي وسطوتهم العسكرية والسياسية. محظوظون أولئك الذين أُعطوا الفرصة للبقاء على قيد الحياة ليراجعوا أنفسهم، ويندموا ثم يعلنوا اعتذارهم على الملأ ليستفيد الآخرون من تجربتهم، ولكن الدرس الأكبر والعبرة كل العبرة ليست لهم بل للمغرورين والمغرّر بهم اليوم – حكومات وأفراد –…
كما أنّ هناك قيماً ومبادئ شكّلت أساس بنية الديمقراطية ومشروعيّتها، مثل (الحريّة) و(المساواة) و(إرادة الأمّة) و(الحقوق الطبيعية)، فكذلك وضع الإسلام بنوداً ومبادئ ترسم أو تُؤطّر أيّ نظام سياسيّ واجتماعيّ ليحظى بمشروعيته، والإسلام لم يأتِ بتلك التوصيات لتظلّ مُثُلاً وأخلاقيّات فرديّة، بل لتُصبح محدّدات أيّ مشروع تعاقدي، الدينُ لا يهمّه قوالب الحكم وصيَغها، فهي من المتغيّرات والأفضليّات والمتراضيات العرفية، يهمّه صلاحيّة النظام لتحقيق الغايات والمبادئ، من هذه البنود (الناس سواسية كأسنان المشط) (الناس شركاء في الكلأ والماء والنار) (الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم) (وأمرُهم شورى بينهم) (لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا) (أحبب لأخيك ما تحبّ لنفسك واكره له ما تكره لها) (ادخلوا في السلم كافة) (فأصلحوا بين أخويْكم) (والصلحُ خير) (الناس إمّا أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق) (ولقد كرّمنا بني آدم) …الخ. و(المواطنة) مفهومٌ يُحقّق مُلتقى تلك المبادئ، لأنّها تعني (السواسية الإنسانية والحقوقية)، فهي بهذه الاعتبار قيمة تضادّ الأثَرة، ونزعات العنف والقوّة، واستبداد الأغلبيّة، والظلم، والتفوّق، والتمييز، واستباحة الحقوق، ووأد الحريّات، فهي منظومة قيَمية بحدّ…
في المقالتيّن السابقتين “المواسم فُرص” و”إدارة المواسم” تطرقت لأهمية الموسم الروحي في حياة الإنسان وما يشكّله من تغيير وتجديد في حياتنا إذا تغيرت بسببه العادات والتقاليد وأنماط السلوك الجمعي للناس وروحية المجتمع، ويكفيك أن تُطلّ على معظم مضابط أقسام الشرطة في معظم مناطقنا العربية والإسلامية لترى حجم الانخفاض في مستوى الجُنح والجرائم في شهر رمضان تحديدًا. وتطرقت للشأن الخاص وللشأن العام في موسم محرم الحرام وشهر صفر حيث تنشط فعاليات الطائفة الشيعية في الجانب الخاص وبعض إخوتهم أهل السنة في بعض مناطق البلد وعلى مستوى العالم، وتمت الإشارة لما يحوم حول درجة الاستفادة من هذين الموسمين على المستويين الخاص والعام وغياب شريحة واسعة من طاقات هذا المجتمع الإدارية والفكرية والقيادية عن إدارة هذين الموسمين إدارة فعالة تخرج عن السمت العادي والمعروف من ذكر مصيبة وبكاء ولطم من جانب، ومن جانب آخر تحشيد طائفي بغيض. وربما يسأل سائل وما المخرج؟ هل نكتفي بالنقد بالكتابة فقط لنستسلم لاحقا لمن يتحكّم بالشارع وبالمواسم من أناس قد يكونون مخلصين لمسئولياتهم الدعوية والإحيائية التقليديّة، ولكنهم…
إلى الذين يريدون حسم معارك التاريخ بإحماش ألويتها المذهبيّة البائدة. الذين يهيمون بدعْدٍ، ويتغنّون بليلى، ويتغزّلون بلبنى، وقد أكلَهنّ الدودُ والتراب. الذين يحسبون أنّهم يُحسنون صنعا، وأنّ إحياءهم معارك الأسلاف سيُوفّر لأجيالنا مستقبلاً أزهى، بخاتمةٍ أشفع. الذين يُجادلون بقضايا تراثيّة مستحيلة الحسم، لكنّها أكيدة الضرر. حين بٌشِّر سيّد البطحاء وبقيّة الحنفاء عبدالمطّلب بولادة محمّد(ص) في 12 ربيع، فزع لِما رأى من تباشير نبوّته، ولعلمه بكيد المتربّصين واليهود المستنفعين بالأوضاع المتردّية، ولتوقّع كهنتهم آنذاك بولادة نبيّ مصلح يومها، فقد أخفاه جدّه، رضيعٌ كلّما قرّبوه من الكعبة المليئة بالأوثان فزّع باكياً رافضاً دخولها، بعد ستّة أيّام (17 ربيع) أعلن في الملأ ولادة حفيده، محتفلاً بيتيمٍ قدّرتْ السماءُ أنّه للعالمين الرحمةُ والنذير. هذان التاريخان اللذان اختلف السنّةُ والشيعة فيهما، كلٌّ أخذ بأحدهما، وكلاهما صحيح، كحال سائر الجزئيّات التي انفرد كلّ فريق بها، فالنبيّ(ص) قرّب عليّاً وقرّب أبابكر أيضاً، وزوّج عليّاً ابنته كما تزوّج ابنة أبي بكر، وجمع العصرين والعشاءين كما فرّقهما، وصلّى خلفه المسلمون بالكيفيّات كلّها يومَ كان الدينُ يسراً! جميلٌ أن تُقام…
(الشيعة/البحارنة بقايا اليهود والمجوس)، و(عوائلهم المعروفة سلالة القرامطة، استولدتهم الإباحية الشيعيّة والشيوعية)، (أبناء عواهر السبايا واللقاءات الجنسية العامّة)، و(المعروفون “بالسادة” اليوم، كانوا زعماء القرامطة الذين قتلوا آلاف الحجّاج، ولا ينتسبون لأهل البيت”ع”)، (سمّتهم القبائل العربية “حلايل” لأنّهم غير مسلمين)، (حلفاء الاستعمار البرتغالي والبريطانيّ وعملاؤه)، (أذناب الصفويّين)، (ولاؤهم لإيران المجوسيّة)، (أكثرهم مرتزقة مستقدَمون وعمالةٌ مستورَدة)… هذا غيضٌ من فيضِ كُتيّب –وصَلني إلكترونياً- أصدرته جهةٌ غامضةٌ تدعو نفسها (هيئة الدفاع عن عروبة وتاريخ البحرين)، وعنوانه (الشيعة في البحرين من أين أتوا؟) برقم إجازةٍ وهميّةٍ لدى دائرة المطبوعات! أمّا بصمة الشيطان فتكمن بدفاعه الباهت عن (أهل السنة والجماعة)، وعن أفغانستان والعراق اللّتين خانتهما إيران الشيعية/المجوسية، لأنّ (مصائب المسلمين دائماً تحت عباءة الشيعة)، أمّا أمريكا وإسرائيل فلم تُذكرا بشرّ! فقط (الشيعة، عليهم التوبة إلى الإسلام، وترك شتم الصحابة)! حاشا أن تقف جهةٌ سنّيةٌ وراءَ هذا الكتيّب البغيض، أو قوميةٌ، أو حكوميةٌ، فهؤلاء يمسكهم الدينُ والعروبةُ والوطنُ عن التفريط بأيّ منها، ولو كان ببلدنا سفارةٌ صهيونية، لتيقّنّا أنّها مصدرُه، لكن حمداً للسميع على قلّة التطبيع!…
ينصح علماء النفس للتخلص من القهر والكبت النفسي أن تفرّغ غضبك، وتتخلّص من حزنك بطريقة ما، كأن تضحك مما يزعجك لتحافظ على توازنك النفسي، أو تبكي لتتخلّص من الشحنات السلبية التي تتولّد من أثر الحوادث المؤلمة التي تصيبك، أو حتى تتصور نفسك أنّك تشتم وتضرب من أساء إليك لكي لا تكبت مشاعر الأسى الشديد فتسبّب لك عقدة نفسية تجاه شيء أو شخص ما. مصائب أمّتنا كثيرة جدّاً، وأسباب قهرها لا حدود له، إذا استحضرتُها يتداعي لي بيت شعر يُنسب إلى الزهراء (ع) بعد وفاة رسول الله (ص): قل للمغيّب تحت أطباق الثرى إن كنت تسمع صرختي وندائيا صُبّت عليّ مصائب لو أنّهـا صُبّت على الأيام صرن لياليـا فمشاهد التنكيل بالأبرياء العزّل، وقتل الأطفال والشباب، وصور المجازر، والتهديد بـ”محرقة” أكبر للفلسطينيين، وأخبار التصعيد المستمر للإرهاب الإسرائيلي في فلسطين المحتلة تلاحقنا كل صباح ومساء لتسمعنا أنّات الثكالى، ومع كل نشرة إخبارية لابدّ أن نكحل أعيننا برؤية دماء المدنيين العراقيين، وما تفتأ الفضائيات تتحفنا بأنباء الأوضاع المتفجّرة في باكستان وأفغانستان، وتنقل لنا التوتر…