في شوارع مصر العظيمة النابضة بالحياة، بطيبة أهلها، وبتواضع ناسها، ما كدّر نظري إلاّ رجلٌ دفع امرأته بعصبيّة، فأشعرني بما ذهبتُ لمصر لأجله، للمشاركة في ورشة عمل حول (الإسلام والإصلاح) لمركز ابن خلدون، بورقة تجديديّة عن هدر كرامة المرأة، بانقلاب تفسير النصّ القرآني، لنحت مفاهيمه كعصا لضربها وسوْقها إلى بيت طاعة الرجل! لم تأتِ حادثة ضرب المذيعة السعودية (رانيا الباز) المبرّح على يد زوجها في سياقٍ غريب، فإحصائيات اليونيسيف إلى المنظمات المحلية، إلى الأجهزة الرسمية في المحاكم ومراكز الشرطة، تُؤكِّد أنّ العالَم كلّه يُمارس العنف الزوجي، وتختفي بسببه 60 مليون امرأة عن تعداده سنوياً، وأنّ امرأة من بين اثنتين تتعرض لانتهاكات جسدية وجنسية داخل بيتها، بل 40-60% من الزوجات يُضربن في أمريكا وفرنسا، و80% في الهند، وفي إحدى دولنا الناميّة %69 يتعرضن للضرب حالَ رفضهنّ معاشرة الزوج، أو الردّ عليه بلهجة لا تعجبه! فالعنف ليس بحاجة إلى (نصّ) يُشرِّعه، بل عكسُه الذي يحتاج، لهذا نُنكر أنّ الله أمر بالعنف ضدّ المرأة لحيثيّة أنّه (أي العنف الجسدي) متوفّرٌ دائماً بدون حاجة…
(الأحسن) هو منشود الجميع في كل ما يتعلق بحياتهم، ابتداء بمقتنياتهم الشخصية كالبيت والسيارة واللباس والموبايل، وانتهاء بطعامهم وشرابهم وأماكن سفرهم ونزههم..الخ، الكل يبحث عن أحسن هذه الأشياء وأغلبهم معياره في ذلك حواسه الخمس، حتى اختيار الزوجة أصبح اليوم يخضع للمعايير الحسية أكثر من غيرها لدى قطاع كبير من الشباب، وطالما الأمر كذلك فإن الناس قد تختلف قليلاً أو كثيراً في تحديد الأحسن منها تبعا لاختلاف معاييرهم في الذوق المادي لهذه الأشياء، ولكن ماذا عن أحسن الأعمال التي لا تخضع في تقييمها لحواس، هل تشغل بال أكثرنا؟ وهل ثمة معيار لدينا يحدّد الأحسن من الأعمال؟ أم أنه نسبي أيضاً وخاضع للمعايير الشخصية، فما هو حسن عند خص قد يكون سيئاً عند آخر؟ إذنْ فقد فقدنا المعايير الصحيحة التي نقيس بها الأمور! وأعتقد أن فقدان هذه المعايير هو أحد أسباب أزمتنا الحالية،مع أن مفهوم الـ”أحسن” يُفترض فيه أن يكون واضحاً بدليل استخدام القرآن الكريم لهذا الوصف كثيراً والدعوة إلى تمثّله في حياتنا اليومية لى أصعدة مختلفة ومع أطراف شتى كقوله تعالى:…