حق هذا النبي الهادي أن نقرأه بعين الضال الباحث عن الهدى، لا نمل من قراءة سيرته كما لا نمل من أداء صلواتنا اليومية لأن لكل صلاة مشاعر خاصة لا تتكرر قبل ولا بعد.
كانت العمرة ذريعة الرسول (ص) إلى مبتغاه، فالقتال ليس غايته بل طارئ مفروض عليه، إنما له في الصلح غاية، وهو أن يكون حراً في تبليغ دعوته بسلام، لمن يشاء من الناس، وما تزال قريش عرقالاً كبيراً في هذا الطريق، وهو (ص) يرى أن لابد من تذليل هذه العقبة.
من طفولة محمد (ص) وصباه وشبابه، نستطيع التماس انسانيتنا، من تجاربه وعقله وفطرته وروحه ولو بعيدا عن دور الوحي في توجيه مواقفه وبناء قراراته، ولعل المواقف التي يوجهها الوحي الرباني تصبح مانعاً أمام التأسي والقدوة عند الكثيرين، جاعلين طاقة الوحي وتسديده سبب عظمة محمد، في حين أعلم سبحانه (الله أعلم حيث يجعل رسالته).
قبل بعثة النبي (ص) انتقل التحريف إلى كل مفاصل المجتمع من المعارف العليا التي تشكل بدء الخلق وخلق الإنسان وأخبار السماء، إلى مسخ تاريخ عظماء الأمة واستبدالهم بالسلاطين، إلى تحريف الجغرافيا وتمليك الأرض من لا يملكها، ورفع الوضيع ووضع الرفيع.
قد لا تستطيع أن تكون نبياً فقد حكم أن لا نبي بعده (ص)، لكنك تستطيع حتماً أن تكون (إنساناً محمدياً) كما كان هو قبل بعثته، تحاور دخيلة ذاتك لترى كنزك الكامن فتبدأ تزيل طبقات الغبار عنه.
أين هي السماء؟! السعادة في حضارة الغرب هي نداء أرضي بحت ، شبيه بنداء كل الشعوب التي عبدت الأوثان من قبل، ولكنه نداء جبار متمكن واثق، قد أمسك بزمام الأسرار، وظن أنه قادر على كل شيء، إنه نداء أكثر قوة وأموالاً من كل ما سبق من حضارات ودعوات سماوية أو أرضية . إنه نداء وظف قدرة العلم الجبارة، فراح يكشف الأسرار كالآلهة فلا غرابة أن يعبد، انه السامري الذي يخرج من المعادن عجلاً له خوار، فلا غرابة أن تظنه الإنسانية ربها فتسجد له الإنسانية اليوم قد تخلت عن السماء ، ونسيت أن لها رباً غير عجل السامري، فلن تجد أمة غير أمة الإسلام ـ والعرب هم رأسها ـ تدعي أنها على اتصال مع السماء : حضارة ودولة وثقافة ومدنية .أخلاقاً وسلوكاً ، روحاً ونفساً وعقلاً . وحدها أمة الإسلام يوجد فيها مثل هذا التفكير والفكر، وحدها في عالم اليوم من يوجد فيها عزف لهذه النغمة النشاز: أن يا أيها الناس إن السعادة لا تكمن في الغنى والثروة، والمتع…
فتح الله سبحانه أبواب طلب الرزق الحلال على مصاريعها، وحثّ عليه دينه الحنيف وعدّ الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله، ولم يجعلْ من بين أساليب طلب الرزق الاسترزاق بالدين بل سدّ الباب أمام هذا النوع من الاستغلال للدين، كان ذلك واضحاً على لسان رسله الذين صرحوا بأنهم لا ينتظرون من أقوامهم جزاءً ولا شكوراً مقابل أشرف وأقدس وظيفة اضطلعوا بها وهي تبليغ الرسالة، وإنّما أجرهم على الله سبحانه قال تعالى: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:109) وقد تكررت نفس الصيغة في سورة الشعراء خمس مرات على لسان نوح وهود وصالح ولوط وشعيب (ع) تأكيداً على عدم تقاضي الأجر على إبلاغ الناس تعاليم دينهم، ولتأمين رزقهم فقد عمل أنبياء الله وأولياؤه في الرعي والتجارة والنجارة والحدادة والفلاحة حتى أن أحد شيوخ المتصوفة لقي الإمام الباقر(ع) يوماً في بعض نواحي المدينة في ساعة حارة وقد تصبّب عرقاً فقال له: شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا، أرأيت لو جاء…