هل نحن نعادي المخالفين لنا لأنهم ضدّ الفضيلة؟ أو ضد الإيمان والحق؟ أم لأنهم ضدنا كجماعات وأشخاص؟ أو لأنهم مخطئون لأن مصالحهم وإراداتهم تناقض مصالحنا وإرادتنا؟ المعلن دائما هو الأول، والحقيقة دائما في الثاني، اللهم إلا ما ندر، و”اللهم إلا ما ندر” هذه لولا مخافة الظلم لما قلناها، لأنها مع كل أسف مدخل المبطلين لبوابة المحقين، حيث يزعم الجميع أنهم من هؤلاء الندرة، عجبا! كيف للندرة أن تكون الكثرة؟ تصنف أمريكا الدول إلى محورين محور للخير ومحور للشر، أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وكلنا يعلم أن أصحاب الشمال لا يحتاجون لكي يصبحوا من أصحاب اليمن إلى توبة، اللهم سوى التسليم والطاعة لما تريده أمريكا منهم، ثم لا يهم بعدها أن يغيروا شرهم ولا خيرهم، فأصدقاؤها في محور الخير سجونهم مليئة بالمعارضين، والمخطوفون من الناس تحت حكمهم لا يُعلم أأحياء هم أم أموات بعشرات الألوف، والديمقراطية فيهم إما معدومة أو ممسوخة، والفساد في إدارتهم فوّاح، وحرية التعبير مكممة بالقانون، ولكن هذا لا يهم فالخير والشر هو في الموافقة أو المعارضة: الأخيار أصحاب…
أعجب كثيراً من الجمود الذي تعاني منه الأمة الإسلامية – والعربية على وجه الخصوص – في الشأن السياسي والاجتماعي والعقائدي والفكري والثقافي فنقرأ كتباً لمفكّرين ومصلحين، ونسمع أحياناً كلمات أو محاضرات لقيادات دينية أو سياسية تحلّل حال الأمة مضى على بعضها ربع قرن، أو نصف قرن، بل وقرن من الزمان وكأنها كُتبت بالأمس القريب! ما يعني أننا في تردٍّ دائم وإنْ أسميته تجاوزاً (جموداً). فتعجب وأنت تقرأ كتاب الكواكبي طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد وهو يصف بكل دقة داء الأمة ودوائها قبل مئة عام وكأنها وصفة علاجية لأبناء الأمة اليوم، وتدهش من أطروحات مالك بن نبي في كتبه التي يعالج فيها مشكلات الحضارة ويحثّ الأمة على النهوض، وتستغرب حين تسمع الشهيد مطهّري وهو يصرخ بعلو صوته، أو تقرأ له معاناته لتصحيح العقائد الفاسدة التي نالت من الفكر الإسلامي ومعالجته الدائمة للممارسات الخاطئة وبالأخصّ فيما له علاقة بالنهضة الحسينية (التي هي حدث ذكرى هذه الأيّام)، أضف إلى ذلك النقد اللاذع لاستحمار الشعوب من قبل رجال الدين المتخادنين مع السلطة السياسية المستبدّة في…
خوَّض حمارَه نصر الدين خوجا (جحا) كما تعوّد ،وكان حمله ملحا وصوفا، وهل هناك ما هو أعدى للملح والصوف من الماء؟ إننا كثيرا ما نقع في الأخطاء حينما ننظر للأمور نظرة قاصرة، ترى جانبا وتغفل جوانب أخرى، ترى المعتاد وتغفل التغير، فنصر الدين قد تعوّد خوض النهر، ولكن ثمة ما أعماه عن الالتفات إلى طبيعة (حِمله/ ظرفه/ حاله) الجديد، فخاض على ما تعوّد، ولكن الأمر قد تغير في غفلة من نصر الدين! قد تبدو هذه قضية واضحة ونحن نسوقها في طرائف جحا وحماره التي تبدأ ولا تنتهي، فتضحكنا غباوته المجدولة بذكائه، وغفلته بيقظته، وبلادته بسرعة بديهيته، ولكننا في الواقع نضحك منه على الكثير مما نقع فيه يوميا دون أن نشعر للمفارقة كما نشعرها حينما تكون بينه وبين حماره، فكم نخوض من مياه الحياة غافلين عن الظروف إذا تغيرت، والأحوال إذا تبدلت، مأخوذين ببادئ الرأي، وجاري العادة، وعابر النظرة، وسطحية التقدير، فنقع في المآزق والمهالك، حيث يذوب ملحنا الأثمن من ملحه، ويتلبد صوفنا الأغلى من صوفه؟ لاشك أن العادات والتجارب المتكررة…
عدنان وقحطان عند النسابين هما أبوا العرب، ومنهما يفرّعون علوًّاً ونزولاً، وليس لك أن تسألهم ما الدليل؟ فالنسابة كالأطباء يجب عليك أن تثق في تشخيصهم لمجرد اختصاصهم، بل قل كالمنجمين، بل هم أكثر حصانة، فالمنجم والطبيب قد يكذبه الواقع والحدث، أم النسابة فهم يتحدثون عمن لا يطال منهم تصديقًا ولا تكذيبًا. هم يقولون قحطان والد يعرب ومنه يشجب ثم سبأ فكهلان وهكذا يمكنك أن تصل إلى نسب جارك الدوسري والكعبي والمرّي فهم من نسل قحطان، ويقولون عدنان والد معدٍ ثم نزار ثم مضر ومنه يمكنك أن تصل إلى جارك الموسوي والعازمي وغيره من أبناء عدنان. هذه تفريعات وتشجيرات لها “حنّة ورنّة” ، في بلدٍ يعتز بتأصيل النسب كالجزيرة العربيّة، وبها تتقابل القبائل، وتُنشأ الأحلاف أحلاف الدم، وتُتَحمل الديات، وتتكافأ الزيجات، وتُحرز مراتب المشيخة، وتُفرز التراتبات الاجتماعية الطبقية، وتُرسم مراسيم اللياقة (الاتكيت)، بدءًا بمن رتبة تقبيل الأيدي، صعوداً إلى تقبيل الأكتاف، فتقبيل الخشوم، ثم خشم بخشم إن كنت من طبقة متكافئة… ولكن لماذا ظل عدنان وقحطان هما أشهر أبوين للعرب؟ لدرجة…
طلاب الجهاد في سبيل الله على غير بصيرة قد يخترعون لأنفسهم أبوابًا يحسبونها عليه ويضحون في سبيلها بأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ثم قد لا تكون ثمرة جهادهم هذا إلا مزيدًا من الدمار والعار للجميع: أمة ومذهبًا وأفرادًا وأولها هم أنفسهم. بعضهم يجاهد بقتل المدنيين غير المحاربين من غير المسلمين ممن لم يشهروا سلاحًا، متعللاً بأن بلادهم كأمريكا هي أم الشرور وهي التي تنتهك البلاد والعباد، فيخلط ما بين الحكومة والناس، مستنبطًا ذلك من آراء غير سديدة، تقوم على أن الحكومة إنَّما تقاتل بأموال ضرائبهم، وأنَّهم يسندون بلادهم في بغيها وعدوانها، ولو كان الأمر كذلك لما كان هناك معنى لتحريم قتل غير المقاتلين، وهل يتوقع عاقل أن لا تتعاطف الأبناء مع آبائهم والنساء مع أزواجهم؟ ولكن رغم هذه الطبيعة المعروفة لم يسمح الدين ولا الأخلاق ولا القانون باستهدافهم في الحرب، ولكنَّك ترى أنَّ أكثر الإرهاب اليوم الذي يوقعه المسلمون بغيرهم قائم على هذا الفهم المعوج ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا. وبعض من تسمى بالجهاد جرّه التعصب والتكفير إلى إباحة قتل وتفجير أمثاله من…
في دساتيرنا تجد أنّالشريعة مصدر أساسي أو المصدر الأساسي أو مصدر التشريع، بحسب درجة الخلوص، ثم لا يهمّ بعد ذلك أن كان المشرّعون يعرفون هذه الشريعة أم لا، يرجعون إليها أم لا، فذلك راجع لموازين القوى السياسية ولظروف السياسيين وحاجتهم. ولكن هذا يَسلِب نظريًا حقّ التشريع من أيدي المجالس النيابية، ليجعله مفتقرًا لتصديق الفقهاء على الأقلّ، فهم بحكم الواقع أهل الفصل فيما إذا كان هذا التشريع أو ذاك إسلاميًا أم لا، فعلى الرغم من أنّ الفقهاء لا يملكون خبرة في نوعيّة التشريعات التي يتناولها البرلمان عادة؛ لأنّها من نوع التشريع الاجتماعي لا الفردي الذي مارسوه طويلاً، إلا أنّه سيكون لهم الحقّ في القول بأنّهم إن كانت تنقصهم الخبرة؛ فإنّ النواب غير الفقهاء يفتقرون للصلاحية. إنّ البرلمانات العربية رغم أنّها تشرّع من خلال دساتير تزعم أنّ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع على تفاوت بينها في الخلوص، إلا أنّها جميعًا تعتمد على خبراء قانونيين من المختصين في القوانين الوضعية لا الإسلامية، وهم يقدّمون لها مشروعات بقوانين على الطريقة القانونية العالمية والتي هي…
رغم أنّ بعض أنظمتنا السياسية تجازف أحيانا فتوسّع هامش الحريّة الصحفيّة بغرض التنفيس الحاجز عن الانفجار وهو ذكاء منها، وهي بمثابة الشعرات الشهباء في كبشنا الأسود، إلا أنّ أكثر ما هو معمول به يجري تحت الاعتقاد بأنّ الإعلام الحرّ خطر على النظام، ولهذا فقد كان إعلامنا منذ أن عرفنا الاستقلال رسميًا يسبّح بحمد السلطان، وتعدّه الدولة أحد أجهزتها المهمّة في صياغة عقل الشعب ومقارعة المعارضة التي كانت تعرّف دائمًا بالخارجين على القانون، أعداء النظام، وخونة الوطن، لأنّ الوطن لم يكن يفرّق عن النظام في مفهومها وإعلامها. لم يكن الناس يسمعون شيئًا من الإذاعة والتلفزيون والصحف إلا ما تريد لهم الدولة أن يسمعوه، وللعجب كانت بلداننا دائمًا على صواب، وفي خير، وتسير حثيثًا نحو التقدّم، ولم يكن هناك فساد في الإدارة، ولا سرقات للمال العام، ولا محاباة في الوظائف، ولا ظلم ولا استئثار، وكأنّنا في المدينة الفاضلة، اللهمّ إلا إذا أرادت الدولة انقلاباً على بعض رجالها، وأما خصومنا فليس لهم ذرّة من عقل ولا رشاد، والحقّ دائماً معنا وهم دائماً معتدون…
هل يمكن إضعاف اندفاع متطرفينا المذهبيين وغيرهم نحو التدمير؟ لا يخفى أنّ الحاجة ماسّة وملحّة لئلا يقضوا على السلم الأهلي ، فمجمعاتنا مهددة بالعنف ، ففي كلّ يوم يفجّر مسجد أو كنيسة أو عزاء أو سوق أو حيّ أو ضريح أو حضرة أو حلقة، توتّرات بلغت حدّها في انتهاك الحرمات، واقتحام البيوت وتهجير السكان، مروراً بانتهاك الفكر والعقيدة والشخصية بالتكفير والتفسيق والتضليل والسباب. والخسران المبين يتجلّى في أنّ نتائجها المدمّرة عدميّة عبثيّة لا طائل من ورائها، ولا تحقّق شيئاً حتى من أهدافها السوداوية، فما هي إلا نارٌ تأكل بعضها، وهم ناسها بكل طوائفهم ومذاهبهم، ثمّ تستقرّ على لا شيء سوى الخراب ومزيد من الحقد، فالوضع الديني والمذهبي لكلّ طائفة منهم لن يتغير، فهي مواجهات عبثية تسبّب تدميرًا فقط دون أن يتغيّر من واقع الناس العقائدي شيئاً، فالكل سيبقى كما كان وأشدّ، فقط مزيد من التدمير للمجتمع. ولأنّ الدافع من وراء هذا العنف هو الكراهية بالدرجة الأولى، الكراهية التي تراكمت عبر السنين في سلسلة من سوء العلاقات وسوء احترام الذات قبل…
أجمع المسلمون على حديث أنّ المهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويكفينا هذا الإجماع مؤونة البحث عمّا يُسمى سند الحديث ورجاله، خاصة وأنّ الأساس في صحّة الحديث هو المضمون الذي إذا عُرض على القرآن كان مقبولاً، أضف إلى ذلك أنّ نشر العدل هو المحصلة النهائية التي تراكمت من أجلها جهود الأنبياء والمصلحين، ولأنّ قيادة الصالحين للمجتمع البشري هو وعد إلهي فالعاقبة للمتقين بحسب القرآن، كما أنّ ذلك هو النتيجة الحتمية لمسار سنن الحياة والكون، فكلّ شيء في هذا الوجود لا بدّ وأن ينتهي إلى منتهاه الذي رُسِم له، وأنّ الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً، فلا بد أنّ تنتهي السنن التي تحكم حياة البشرية إلى نهاية جميلة تنهي هذا الصراع المرير والمؤلم الذي تكبّده الإنسان على كلّ صعيد. وسنن الحياة قائمةً على أساس الجهد البشري، فهي تترك الصراع مفتوحاً لينتهي إلى نتيجته الفضلى، فكلّ الطرق ستوصل إلى هذه النتيجة، وأهل هذا الزمان هم المعنيون بالانتظار الذي تحدّثت عنه الأحاديث أكثر من غيرهم، لأنّهم على…
ليس ثمّة أسوأ من (اليأس) داءً على النفس البشرية حيث يجعل نظرة المرء سوداوية لا ترى إلاّ الظلام ولا تأمل في خير فتترهّل الإرادة ويدمن المرء على لعن الظلام وإلقاء اللوم على كل ما حوله – إلاّ نفسه – فلا يسعى لإصلاح ولا تغيير بحجة أن لا جدوى من عمل أيّ شيء لتحسين الواقع السيئ، وكلّما فُتح باب من الأمل فلن يعدم الوسيلة ليوصده بالاستشهاد بتجربّة مرّة من التاريخ أو بأمثلة من أرشيف ذاكرته التي لا تحفظ إلاّ الفشل والخيبة لتركن إلى الكسل والتكاسل وتجد في الشكوى والتذمّر وسيلة سهلة للهروب من الاستجابة لنداء الواجب ومن تأنيب الضمير. ابتُليت الأمة بداء (اليأس) منذ أمد بعيد انسحب على كافّة مجالات الحياة حتى كاد أن يصبح هو الأصل وما سواه الاستثناء، وسرى هذا الداء من الآباء إلى الأبناء لأجيال عدّة فلا تكاد تسمع نبرة أمل في أقوالهم ولا ترى حماس الشباب في أفعالهم مع أنهم لم يعاصروا زمن النكسات والانهزامات بل شهدوا انتصارات أشبه بالمعاجز، وعايشوا حراكاً اجتماعيّاً دوليّاً وإقليميّاً مؤثّراً وفاعلاً…