ما كنتُ لأتناول “النكبة” بمقالتي، خاصّة وأنّ كتّاباً ومفكّرين وإعلاميّين أثرَوا الموضوع مؤكّدين ديمومة رفض الكيان الغاصب، لولا استفزّني خطابُ “بوش” في الكنيست احتفالاً بمرور ستّة عقود على الكيان اللقيط. لم يستفزّتي انحيازُه السافر لإسرائيل على حساب الفلسطينيين (الذي نفاه لاحقاً بشرم الشيخ)، وأكّده “سيلفان شالوم” عضو الكنيست مشيدا بأنّ “بوش” (أكثر صهيونيةً من وزراء عدّة في حكومة إسرائيل)! ولا عدمُ حياء بوش إذ يعِد كالأنبياء “إسرائيل” بستّين سنة أخرى! مع أنّ النائب البريطاني الشهم “غالوي” يشعر بالخجل لوعد البريطاني بلفور لليهود بمنحهم أرضًا لا يملكها! استفزّني استغلالُ “الدين المشوّه” وإدراج النبوءات والاقتباسات التوراتيّة والتلموديّة ضمنَ خطابه لدرجة أنّ (الواشنطن بوست) وضعت خطابه على موقعها الإلكتروني ضمن قسم “العقيدة”! فقلتُ إذا جاز لبوش أن يُعلّم العرب “التقنية” “والديمقراطية” فليس معناه أنّه سيُعلّمنا “الدين” و”التاريخ” أيضاً، خاصّةً وأنّ الرسالات نبعت بلغة العرب من أرضهم، وليس لبوش وأبيه شأنٌ فيها، إلاّ أنْ تترجم له -محرّفة غالباً- فيتبنّاها، كصهيونية-مسيحية! نكبةُ الملايين، بالمجازر وقتل الأطفال وتطهير القرى بواسطة عصابات “الهاجانا” و”الأرغون” و”الشتيرن” وتشريد مئات…
مثلما تكلّم أحدٌ مرّةً عن “صينية” تُحفة (جمْعُها صواني)، وتخيّلَ سامعُه امرأةً “صينيّة” مُغرية! قلتُ مرّةً: (الإسرائيليّات تسلّلت لنا لإفساد مناعتنا)، فحسبني سامعي أقصد إناثاً صهيونيّات تسلّلن لأقطارنا لإغراء المسلمين جنسيّاً، عبر منافذ بلدان التطبيع والهرولة، أو بجوازات أوروبيّة، فينشرن الإيدز والفواحش، لتتآكل مناعةُ مجتمعنا أخلاقيا وجسمانيا، بينما كُنتُ أقصد (بالإسرائيليّات) المصطلح المُتعارف، لمرويّات بني إسرائيل ومفاهيمهم الكهنوتية، تسلّلت ونُسبت لصلحاء المسلمين، لتُداخل التفاسير والعقائد وتشريعات الفقه، فأعدنا إنتاج فيروساتهم عبر أمّهات عقائدنا وسلوكنا! إنّ الجرائم الصهيونيّة التي تحيق بشعب فلسطين وانتهاكات حقوقه الإنسانيّة وكرامته، هي إفرازات عقليّة برمجتْها عقائدُ تلموديّة ممسوخة، ولقد تأمّلتُ مقالة اليهود (نحن أبناءُ الله وأحبّاؤه)، واستعلاءهم على الآخرين (ليس علينا في الأمّيين سبيل) واحتكارَهم للدّين (كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا) وأنّ الجنّة حصريّاً لهم (لكم الدارُ الآخرةُ خالصة من دون الناس)، واستضعافهم للمرأة وتصييرها من ضلع أعوج لآدم، وأصلاً للخطايا والشرور! وتأمّلتُ تضمينَ اليهود في التوراة (شجرة) نسلهم، وإيصالها حتّى آدم! وجعْل (طائفتهم) نسل الأنبياء والأصفياء وأبناءهم الشرعيّين، أيْ (أبناء الله)، وغيرهم/الأغيار أبناء الشيطان، وجعلوا…
إنّ أمة بلا تاريخ أمة بلا جذور .. والذين لا يعرفون تاريخهم ولا يستطيعون تذكّره محكوم عليهم بالعبودية والقهر لأنهم انفصلوا عنه فصار من السهولة بمكان خداعهم فيظن الجاهل بتاريخه أنّه وارث الجهل والتخلّف بينما كان آباؤه المعلّمين الأوائل، ويُتّهم بالظلم في حين أنه هو المظلوم، لذا فثمّة فوائد تُرتجى من إحياء ذكرى بعض الحوادث التاريخية المفصلية في حياة الأمة بشرط أن لا يكون ذلك محض اجترار للماضي لندب الحظ أو للتغنّي بأمجاد ولّت، بل لكي لا نُجتث من جذورنا، أو تُسلب منّا ذاكرتنا فنصبح أمة بلا ذاكرة، ولكي لا يُخطف منّا تاريخنا، كما خُطفت جواهر ديننا. وكما أنه يمكن من خلال علم الحفريّات والآثار (أركيولوجي) الذي يُطلق عليه اسم “السجلاّت الصامتة” دراسة مسيرة الإنسان الحضارية بدراسة وتحليل وتفسير البقايا المستخرجة من المواقع الأثرية، فكذا يمكن لدراسة تاريخ كلّ أمة أن يكون سبيلاً للتعرّف على مكامن عزّتها ومزالق انحدارها، مع فارق رئيسي وهو سهولة التزوير في التاريخ المكتوب، وصعوبته (وليس استحالته) في علم الآثار، ورغم ذلك لم تسلم أيّاً من…
من مبادئ سياسة الدول الغربيّة القوة المطلقة، كانت كلّ دولة من دول أوربا القديمة تسعى لأنَّ تكون هي القوة المطلقة ألمانيا فرنسا بريطانيا أسبانيا روسيا إيطاليا النمسا البرتغال أمريكا؛ لذا نشبت بينها حروب عسكريّة واقتصاديّة استمرت قرون، وما الحربين العالميتين الأولى والثانيّة إلا نتيجة لارتفاع حدة النزاع بين هذه الدول. بعد الحرب العالميّة الثانيّة ضعفت دول أوربيّة واستقوت أخرى فظهرت الأحلاف، حلف شمال الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكيّة وضمَّ دول أوربا الغربيّة، وكوّن الاتحاد السوفيتي من نفسه والدول التي احتلها أثناء الحرب حلفًا آخر عرف بحلف وارسو، وكلا الحلفين حاول أن يكون القوة المطلقة، فبدأت نذر الحرب الباردة بينهما واستمرت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، وبدأ سباق التسلح إلى درجة الانتحار فلمّا عجز الاتحاد السوفيتي عن اللحاق بالولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفائها انهار، وقامت روسيا على أنقاضه، وهاهي بعد أن تعافت تريد أن تعود لسابق عهدها قوة عسكريّة يحسب لها حساب في الصراعات الدوليّة على الأقل. أخذ حلف الأطلسي يتمدد ليجمع إرث الاتحاد السوفيتي السابق فاحتضن دول أوربا الشرقيّة ودول البلطيق، فأصبح…
ما (النوروز) وما (النيروز)؟ ولمَ احتفلت ملياراتُ الشعوب به؟ أهو عيدٌ (للكفّار)؛ الوصف الذي نسبغه أعيادَ الآخر المُختلف فنجهله ونستعديه؟! كيف نفهم تراثنا الإنسانيّ بعقليّة متفهّمة متسامحة مستوعبة؟ ما علاقة (النيروز) بالخلق البشريّ ثمّ بالخلق الإنسانيّ؟ ولماذا كان عيد (الفطر) –فطر الإنسان العاقل- إضافةً نبويّة (ص) اختصاصيّةً لنا مُراكمةً عليه؟! كيف امتدّت يدُ العبث (للتقويم) الطبيعيّ، وكيف تمحو وتُعرقل الزعاماتُ السياسية (أوغسطين الرومانيّ مثلاً) والمرجعيّاتُ الدينية حقائق الطبيعة وقوانينها، وفق مصالحها وتدخّلاتها السلطويّة؟! ما مبدأ عيد (شمّ النسيم) بمصر و(الشجرة) بالأردن؟ وعيد (السيّدة) بأوروبا و(الفصح)؛ الذي يعني تجلّي الطبيعة بموسم “الربيع” و(إفصاحها) عن (قيامتها) البهيّة، طبيعةٌ (نطقتْ) بجمالها الساحر فأطربت الشعراء، فأنشد البُحتريّ: (أتاك الربيعُ الطلقُ يختالُ ضاحكاً، من الحُسنِ حتّى كاد أن “يتكلّما”)، وانتشرت كلمة (فصح) في كلّ ثقافات وديانات الشعوب لتُنطق باختلاف الألسن وإبدالات الأحرف (فسيخ) لدى قبط مصر، و(بساح) لدى اليهود الذين طابقوه بأحداث عبورهم (نهراً)، حين (فسح) الربُّ لهم مخرَجاً من قبضة فرعون (قرية مصر)، وسمّته ملايينُ الهندوس والسيخ (بساخا)، واحتفلت شعوب التاريخ بجميع دياناتها بكونه…
من المؤسف بعد هذه السنوات من الاحتلال الإسرائيلي، لا زال المسئولون العرب يثقون في وعود إسرائيل ونواياها، ويعتقدون بجدوى المفاوضات ومعاهدات الصلح، متناسين أن إسرائيل ليست على استعداد للتنازل وإرجاع الحقوق إلى أصحابها الحقيقيين، بخلاف الشعوب التي وعت الدرس وعلمت أن طريق المقاومة هو الحل الأمثل نحو التحرر من غطرسة إسرائيل الغاشمة، ولعل المراقب للاعتصامات والمسيرات المنددة بالهجوم على لبنان وفلسطين يلاحظ ذلك . إن الإيمان بأن إسرائيل تريد السلام وتسعى للسلام ينم عن جهل منا بحقيقة إسرائيل ونواياها، لقد عملت إسرائيل على تثبيت أقدامها في فلسطين، والسيطرة على الموارد المائية المهمة ومصادر الطاقة، وهاهي الآن تريد فرض نفوذها بتغطية أمريكية على لبنان، فهل نسمح بأن تهدر كرامتنا، وتهتك حرماتنا؟ لماذا لم تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية بعد قيام إسرائيل بشن هجومها السافر على لبنان؟ بعد أسبوع واحد من التدمير والتخريب وضرب البنى التحتية بدأت التحركات السياسية والدبلوماسية، ولتبقى لبنان تموت تحت الدمار، ثم تأتي (رايس) لتقول لا يوجد حاجة لوقف الحرب في لبنان، كيف نقبل بمنطق الولايات المتحدة الأمريكية الذي…
دأبنا على عقد المقارنة بيننا وبين الآخر الغربي والشرقي، فمرة نقارن بيننا وبين اليابان التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مهزومة ورغم ذلك استطاعت أن تنافس أمريكا في التطور التكنولوجي وتزاحم صناعاتها في أسواقها، ومرّة نقارن بيننا وبين الغرب في ديمقراطيته العريقة ونضرب المثل بشفافيته النزيهة (!) حتى لكأنهم أصبحوا هم المعيار لقياس درجة تقدّمنا وتأخّرنا. وأمّا الكيان الصهيوني فقد عُيّرنا بالفرق بيننا وبينه مرّات وخاصة فيما يخصّصه من ميزانية هائلة للبحث العلمي والتطور التكنولوجي، فنقرأ مثلاً أنه خصص ستّة مليارات دولار لتمويل البحث العلمي أي ما نسبته 4.7% من ناتجه القومي الإجمالي، وهو مبلغ يفوق ما تخصصه كلّ الدول العربية مجتمعة بنحو ثلاث مرات ونصف، ممثّلة بذلك أعلى نسبة في العالم؛ أما بالنسبة لمستوى التعليم فقد نُشرت قائمة بأسماء أفضل خمسمائة جامعة في العالم ولم يكن من بينها أي اسم لأي جامعة من العالم العربي أو الإسلامي، وبالطبع فقد كان لأمريكا نصيب الأسد (168 جامعة) ومعظم الدول الأوروبية وبعض دول أمريكا الجنوبية وشرق آسيا، وكان من بينها سبع جامعات…
قبل أكثر من نصف قرن قال أحد علماء الإسلام المصلحين: “مازلنا نتناقش في الوضوء عن غسل القدم أو مسح القدم، حتى لم يبق لنا في الشرق موطئ قدم”، واليوم يبدو أن بعض مثقفينا ونخبنا يريدون أن يمضوا في مناقشة هزيمة المقاومة أو انتصارها على العدو الصهيوني حتى لا يبقى للّبنانيين في لبنان موطئ قدم، منشغلين عن محاربة العدو المشترك، وموظّفين أقلامهم لخدمته، عوضاً عن توحيد الجهود للتعريف بحقيقة هذا العدوّ الشرس وخصائصه وخططه – لمن لا يعلم – والتذكير بجوهر الصراع العربي الإسرائيلي وجذوره لمن نسى وصارت إسرائيل بالنسبة له أمراً واقعاً أو شرّاً لابدّ منه. أن تُزرع إسرائيل في قلب الوطن العربي ليس قدراً مكتوباً على أمّتنا، أو قضاء إلهياً لا يمكننا ردّه، فقد أُسّس هذا الجسم الغريب بناء على مخطط استعماري مدروس يهدف إلى “إقامة حاجز بشري بين عرب آسيا وأفريقيا على مقربة قناة السويس يكون قوة صديقة للاستعمار عدوة لأهل المنطقة” بحسب ما جاء في قرارات مؤتمر لندن (1905-1907) الذي دعا إليه رئيس الوزراء البريطاني آنذاك لتدارس…
حين نتبنّى مصطلح (أصوليون) كدلالة على الحركات الدينية المتطرّفة، إسلامية أو مسيحية أو يهودية، عن ترجمة خاطئة لمستورَد (Fundamentalist)، فإنّنا نعبث في لغتنا التي هي أسّ هويتنا ورفعتنا، ونُمضي استحواذاً متسلّلاً بقاطرة مفاهيم مشحونة سياسياً وموظّفة ثقافيا، وثالثاً وهو الأخطر بالنسبة لنا كذوي رسالة خاتمة، التسليم بأنّ ما يُمارس من جهالات وظلم وإكراه مرجعُه إلى (أصول) دينية، فبهذا نُعطي القُساة الشرعية الدينية مجاناً بالاسم من جهة، ومن جهة أخرى نحكم على برنامج الله للخير الإنساني (الدّين) بأنّه مصدر للشرور والأذى والجهالات! علينا أن نفرّق بين (الأصول) الدينية، المنزّهة أن يُنسب لها هذا المقت والأخطاء، كالقرآن الكريم والسنّة الصحيحة ونصوص سليمة للإنجيل والتوراة، وبين نصوص دُسّت في مصادر الفكر الديني وسلوكه، أو تفاسير الرجال، أو ممارسات دولِ جوْرٍ باسم خلافات إسلامية، ولأشخاص ذيّلت نفسَها بأسماء الله! ما لم ننبتر عن سمّ تراث دخيل نسبنا الدين له خطأ، ونحجز إنساننا بقطيعة معرفية عن فكْر (قسوة القلوب)، فإنّنا في مأزق إيماني مع الله سبحانه، وحضاري مع الأمم ثانياً، وإصلاحي مع أنفسنا أخيراً. لا…