ديمقراطيات من القرآن -1 يمكن رد الشورى إلى أصلين لغويين كل منهما يضيف معنى عمليا لها،فأصل لفظ الشورى الأول من الشّوار، وهو ما يظهر من العورة. ومنها قيل شوَّرت به، أي أظهرتُ معايبه، ويقال شِرتُ الدابة : أظهرت ما بها من قدرة على العدو. كأنما اختبر عيوبها أهي عاجزة أم قادرة ؟ وأصلها الثاني من مشار العسل أي خلية النحل يشتار منها العسل ، ومنها أخذ التشاور والمشاورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى بعض، فكأنما المستشير يجتني عسل الآخرين ومصفى رأيهم، ولا عجب فاللغة العربية إنما نشأت في الجنة بمعناها الطبيعي. والشورى؛ الأمر الذي يتشاور فيه ومن هنا نفهم أن قاعدة التشاور قائمة على مراجعة البعض إلى البعض لاستخراج معايب الاراء بغرض الوصول إلى أفضلها وأقلّها عيباً . الشورى في القرآن وردت في آيتين الأولى “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر . فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين” 159/3 ، والثانية “والذين…
مساءلةُ المُساذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أراد فقيرٌ خطبةَ بنت التجّار، فوكّل شيخاً ثقةً (متزوّجاً اثنتين) لنفاذ كلمته يتوسّط له، ذهب الشيخ وعاد، ساءله الفقير: خطبتَها لي؟أجابه: حاولتُ جهدي بكلّ الوسائل المتاحة لكنْ أبوها التاجر رفض، وأخيراً وافق أن أخطبهالنفسي ففعلتُ تذكّرتُ هذه الحكاية بعد سماعي نبأ استجلاب فتوى إلكترونيّة –حسب الطلب- من المرجع السيّد السيستاني.. تجيز للنوّاب والبلديّين أخذ راتب تقاعدهم المثير للجدَل، والذي تمّ تثبيته بمرسوم بقانون ملكي ليكون فرضاً.. يوفّر للبعض غطاء تبرئة ذِمَمهم وإخلاء مساءلتهم!المساءلة: هل ضَمُّ الشيخِ لبنتِ التاجِر زوجةً ثالثةً حرامٌ شرعاً؟ المتشرّعة يقولون: لا.أهُو عملٌ صالحٌ وشريف وإنساني ومبدئي؟! دونكم الفقير الذي ابتهج لابتعاث ثقتِه لتحقيق أمنية عمره.. فاسألو حكايةٌ عناصرها على الأرض “مكتملةُ الأركان”، “فالفقير” يمثّل “الشعب” الذي انتخب نوّابه، و”الشيخ الثِقة” يمثّل “النوّاب” التي دخلتْ كُتلُهم –بطائفتيْهم-البرلمانَ والمجالس البلدية.. بيافطات دينيّة وفتاوى دينية وتهليلٍ ديني.. فتمّ إقصاء أيّ كفاءة وطنيّة ذات رؤية وبرامج تخدم الشعب كلّه. الصحابي الجليل أبوذر، محبوبُ جماهير المؤمنين والاشتراكيّين.. لنظافة يده وشغفِه بحقوق المحرومين والمساكين، كان يقول:…
أمسك ذئبٌ شرسٌ خروفًا وديعاً، واتّهمه: وأخيرًا وقعتَ بمخالبي، أنتَ الذي سبّني السنةَ الفائتة؟ أجاب الخروف: أنا لم أكن موجودا أصلاً السنة الفائتة فعمري ستّة أشهر فقط، ردّ الذئب: مهما ادّعيتَ فلابدّ من أن أشفي صدري منك وأشبع بطني! مَن يُصدّق أنّ الإسلام الذي اعتنقه ملياراتُ البشر، عاشوا وماتوا عليه خلال 1400 سنة (أي 70 جيلا)، يمتّ بوجوده لأعمالٍ نبيلة اصطنعها أفرادٌ عاديّون ذوو ضمائر؟! فحين قرّرت قريش قاطبةً مقاطعة الهاشميّين وعدم مبايعتهم ومجالستهم ومؤاكلتهم ومكالمتهم ومزاوجتهم، وحاصرتهم في الشِعب وقطعتْ مدد الطعام عنهم حتى يُسلّموا محمّدا(ص) ليقتلوه، كان “هشام بن عمرو” (وكان مشركاً) لبني هاشم واصلاً، يُدرك بضميره قاعدة السماء: (إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبة)، فكان يأتي بالبعير لجياع بني هاشم في الشِّعب ليلا، قد أوقره طعامًا، ويُطلقه هناك، رصدتْ عيونُ قريشٍ فعلَ “هشامٍ” فاستدعته، وحقّقت معه إن كان اتّبع محمّداً، فنفى ذلك، فاستخبروه عن سبب فعلته، فأجابهم: إنّما صلة رحم، ووعدهم ألاّ يعود لفعلها، ولكنّه عاد ليُهرّب الطعام بعد أيّام فيكتشفونه ويضربونه ضربا مبرّحا، فيُقسم لهم بالتوبة، لكنّ…
أين أنت يا مصر؟ ماذا دهاك؟ ألا تبصرين أندادك في الستينات أين وصلوا؟ وكم فعلوا؟ لشتما تباعدت هند نهرو عن مصر عبد الناصر، بعدما كانتا فرسي رهان، فأين مصر اليوم عن الهند، وأين مصر عن أندنوسيا سوكارنو؟ و أين أنت يا مصر عن ماليزيا وكوريا حتى لا نقول عن الصين؟ أم أن العالم كله قادر على النجاح من دوننا نحن العرب؟ صَنَوَاتك بالأمس صاروا يملئون أسواق الدنيا بمنتجاتهم؛ سيارات وقاطرات وكهربائيات وملابس ومنتجات زراعية مصنعة، وأنت لا زلت غارقة في الوراء كأنك لم تكوني ندا لهم يوما؟ أو لم تكوني وإياهم والبرازيل والمكسيك وأمثالهم على قدم واحدة في الظروف والإمكانات؟ فلم سبقوك وخلفوك وأنت أنت أم الحضارة وكنز الرجال المقتدرين ؟ تركيا وإيران هما الأخيرتان قد خلفوك وراءهما، ثلاثون سنة من الثورة في إيران كانت كافية لهم ليبلغوا الفضاء، ويكتفوا في السلاح، في ظروف هي بلا شك أقسى بما لا يقاس من ظروفك في نفس هذه السنين الثلاثين، فما الذي كان ينقصك حتى لا تكوني مثلها وأفضل منها؟ لا شيء…
العالم ليس بخير على الإطلاق، والأرقام تدعم مخاوف أكبر الاقتصاديين في العالم، فهناك خمس شركات عملاقة تسيطر على خمسين في المائة من الأسواق العالمية في مجالات الفضاء والسيارات والطائرات والالكترونيات، وخمس شركات أخرى تسيطر على سبعين في المائة من السلع الاستهلاكية، وخمس شركات غيرها تهيمن على أربعين في المائة من النفط والإعلام، كما أنّ واحداً وخمسين في المائة من أكبر الاقتصادات في العالم اليوم هي شركات لا دول! بينما وصل عدد الجوعى إلى أكثر من مليار شخص، وهناك أكثر من خمسين مليون شخص في قائمة العاطلين، ويُتوقع أن تقوم اضطرابات اجتماعية وثورات في أكثر من خمس وتسعين دولة في العالم قد تطيح ببعض الحكومات، مع العلم أن هذه الأرقام تتزايد بصورة مهولة وبسرعة غير مسبوقة. ثمة مفارقة هنا تدعو للتأمّل، ففي حين أنّ الدول الغنية هي سبب الأزمة الاقتصادية إلا أن الدول النامية والفقراء في العالم هم من يدفع الثمن الأكبر، ويأتي على رأس قائمة البلدان المعرّضة لمخاطر عالية جدا: زيمبابوي وتشاد والكونغو وكمبوديا والسودان، ثم سوريا، والمغرب، والبحرين، والكويت،…
هل حدث لك وأنت تجوب الأسواق والشوارع بالسيارة فتبهرك أضواء المحلات التجارية المنتشرة على طول الشارع، ويخطف بصرك التنوع والتأنّق في المعروض من بضائعها، فيخال لك بأنك لو أُتيحت لك فرصة التسوّق فيها لحصلت على كل ما تتمنّاه نفسك من ضروريات وكماليات، ولكن بمجرد أن تترجّل وتبدأ تسوّقك فعلاً تُفاجأ بأنّ البضائع ليست بالمستوى المطلوب من الجودة، وإنما بدت جميلة من بعيد لكثرة الأضواء المسلّطة عليها، ولطريقة العرض الأنيقة التي أُبرزت فيها، فتعود أدراجك خائباً، وقد تقرّر أن لا تعود لها ثانية، أو أن تتبضّع من المعروض – على مضض – لأن هذا هو أفضل الموجود. التصريحات الصادرة عن معظم المسئولين في وزارات الدولة والمكتوبة بالمانشيت العريض على طول الصفحات الأولى من الصحف وعرضها، والصورة الوردية التي تحاول بعض وسائل الإعلام الترويج لها عن مستوى الحريات، والانتعاش الاقتصادي، وجودة التعليم، وتقدير العلم والثقافة، والاهتمام بحقوق المواطن، والتنمية، مثلها مثل تلك (الدكاكين) التي تجذبك بضاعتها من بعيد فإذا اقتربت منها وجدتها شيئاً مغايراً عمّا بدا لك، فتتساءل أهو ضعف في البصر…
حرائق في الطرقات، أصوات تفجّر عبوات غاز، شعارات تلطّخ الجدران، احتشادات ومسيرات ومصادمات مع قوّات الشغب، طلقات مطّاطية تتطاير عشوائياً على الأبرياء فتُصيب زميلاً صحفيّا بعينه، اعتقال ومطاردة وتضييق ومحاكمات لمعارضين ونشطاء، تحويل كلّ ملفّ ساخن جدليّ إلى ملفّ أمني، تصعيد للعنف ومزاعم بمحاولات قلب نظام الحكم وتفخيخ سيّارات، غلق منتديات إلكترونية وتضييق الحريات حتى ضجّ المقيمون والوافدون الأجانب، فاحت روائحها على الصحف الأجنبيّة فكتبت أخبار الخليج الإنجليزية على مدار أسبوعين متسائلةً عن مآل الانفتاح في مملكتنا، بعناوين احتجاجية ساخنة لكتّابها وقرّائها مثل: “آن لنا بالاحتجاج”، “أهو العصر الحجري؟”، “أهذه هي الديمقراطية؟”، “الصمت يصمّ الآذان”…الخ. وضعٌ مأزومٌ.. سببُه يُذكّر بأغنية قديمة تقول “كاملُ الأوصاف فتنّي”، وببيت شعر يمتدح نبيّنا الكريم(ص): “بلغَ العُلى بكماله، كشفَ الدُّجى بجماله، حسنتْ جميعُ خصاله”.. إنّ مفهوم “كامل الأوصاف” يتمثّل بشكلٍ حقيقي فيمن أجهد عمرَه بالتعلّم من إخفاقاته ونوازعه، وبمشوره أصحابِه وبتسديد من خارجِه.. لتخليص نفسه من شوائبها، ويروضها بفعل الخير وبالاستقامة والعدل وبمتطلّبات الصفاء، تبدّى هذا بأشخاص الأنبياء(ص)، كما يتواجد مفهوم “كامل الأوصاف” بشكلٍ وهميٍّ…
(هتلر) مات منتحراً في قبو من أقبية برلين بعد دخول قوات التحالف إليها، و(موسوليني) أُعدم من قبل شعبه في ميدان “دونجو” بميلانو، و(ستالين) قضى مسموماً بعد أن دسّ له أحد وزرائه السمّ في طعامه، و(صدّام) أُسقط بواسطة قوّات الاحتلال الأمريكية ثم أُعدم بعد أن تسبب في جلب الاستعمار والدمار لبلاده، و(محمد رضا بهلوي) مات على فراش الذلّ مريضا في مصر بعد أن طُرد من إيران إثر قيام الثورة الإسلامية فيها. “لقد توفي مصاص دماء القرن العشرين”، هكذا أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية خبر وفاة شاه إيران قبل تسع وعشرين عاماً، ويُنقل عنه أنه قال في آخر مقابلة معه: “ما الذي سآخذه معي إلى القبر .. لا شيء .. ولا حتى بدلة، ربما قطعة قماش أبيض فقط، فما سآخذه إذاً هو التاريخ، والتاريخ فقط”، ورغم أنه كان أكبر حلفاء أمريكا والغرب إلاّ أنه بعد ما طُرد من إيران قبل ثلاثين عاماً لم ترضَ أيٌّ من أمريكا أو بريطانيا أن تستقبله، فقضى فترة من الزمن في بنما إلى أن ساءت حالته الصحية وكان…
كزوجةٍ واجبُها فقط الصمتُ والاستماعُ وإحسانُ التبعّل، وإنْ أساء زوجها وسلب حقوقها، وإنْ أشرك بفراشها منافِسات مجتلبات من الخارج، وإنْ بعثر رصيد الأسرة، حرامٌ عليها أن تنقل “خلافات” داخل المَخْدع لخارجه، فتشتكيه لأهله ولأهلها وللرأي العام وللقضاء المدني والشرعي، مجرمةٌ وخائنة إن فعلت، هكذا تُعامِل بعضُ سلطات السياسة وأوصياء الدين “رعاياها”، معاملةً قائمة على التطويع والاستتباع ومصادرة الرأي، وقمع شكاوى الإصلاح، فالنظام “البعل” له مطلق الولاية، و”الرعايا” قاصرة، لا يمكنها استبصار حقّ خارج رؤية “البعل” الرشيدة، فلا تُحاسبه، ولا تشتكيه للخارج، ولا تُفصح عن إعضالاته معها وأخطائه، بغرض صلاحها وإصلاحه! إنّ قيم العدل والحقوق والحريات واضحة وبسيطة، لكنّ النفعيّة السياسية والتوظيفيّة الدينيّة تلبّس الأمر غالباًً، فتجعلها ضبابية رهن النقاش بل والتفنيد! لو كانت السياسة تتهذّب بالأخلاق ولرعاية مصالح الناس فقط لما جازَ أن تُصاغ مواد قانونية تُعاقِب مواطناً اجتهد برأيه وبثَّه لإصلاح الشأن العام، الذي هو مسئوليّة أيّ مواطن غيور، ولاقتصر القانون فقط بتجريم من يمسّ بأمن الوطن والمواطنين بإشاعة أراجيف واضحة وعمديّة بقصد إضرارهم، فبدل تفصيل القانون (والشرع) وفق…
كتب أبرز صحفيّي الاقتصاد البريطانيّين متكهّناً أن تتمخّض الأزمة المالية حروباً عالمية كبرى: “إنّ ما نراه حالياً من تفسخ للنظام المالي العالمي، قد يؤدي إلى انتهاء عصر وول ستريت وسوق لندن المالية قبيل انبثاق نظام جديد بعيد عن الجشع، يرتكز على الثقة المتبادلة بين المتعاملين بعيداً عن ثقافة الذئاب”. إنّ احتياجنا “للثقة المتبادلة” و”ثقافة التبادل” والاحترام، بدل “ثقافة الذئاب” والاستعباد، ليس مجاله سوق المال فقط بل كلّ علاقاتنا الإنسانية ومحطّات التقائنا وتشاركنا، من سياسة ودين وفكر واقتصاد وبيئات اجتماع. في الآثار القديمة أنّ سلطاناً طاغيا أنذره عرّافُه بهلاكه الليلة، فاتّخذ عدّته وحصّن نفسه، أباد أعداءه، وأبعد أقاربه، وغلّق عليه أبواب قصره، وأقام سيّافه الأثير بجانبه يحميه، وجهل أنّ سيّافه موتورٌ بثأر قديم بلغ به الليلة مداه وتوفّرتْ فرصتُه، فلقي حتفَه في تدبيره! قال عليّ(ع): “تذلّ الأمور للمقادير، حتى يكون الحتفُ في التدبير”! إنّ آفة الأشياء وداءها كثيراً ما تكون منها وفيها، لكنّ الغرور بالظاهر المزخرف يطمس استبصار هذه الآفات، فأحياناً قد تتغوّل إمبراطوريّات ودولٌ وأنظمة لكنّها تحمل بأحشائها بذور فنائها…