حينما يتكسب واحد ما بالدين فذلك يدل على عدم صدق تدينه، فالدين منهاج لإصلاح الدنيا طلبا للآخرة، وما يعمل باسم الدين فواجب أن يكون قربة لله وطلبا لجزائه في الآخرة بالأساس، مع توقع ألطافه ورحمته التي يتولى بها عباده المحسنين في الدنيا، ومن تكسب بالدين فقد أحبط عمله وخفف يوم الحساب ميزانه. ولكنك لو تأملت حال الناس اليوم لوجدتهم قد توسعوا وتفننوا في طرق التكسب بالدين، والاحتيال به في اقتناص الجوائز والمنافع، وعلى ألوان تستعصي على الحصر، ولا تكاد تخلوا منها فئة من الناس عاليهم ودانيهم. وأول هؤلاء بالطبع هم رجال الدين ورجال السياسة، فأما رجال الدين فهم ما بين متفرغ عن العمل في غير شغل اللهم إلا خدمة الشئون الدينية للناس من صلاة وخطبة وجواب مسألة وحديث وعظ، فالدين نفسه هو مهنتهم ومن خلاله يعتاشون على أموال الحقوق وهدايا المؤمنين، وكلما توسعت الحقوق الشرعية التي تحت أمانته توسع في النفقة فيتزوج ثلاثا وأربعا وينفق على أربعة بيوت ويفتتح مكتبا وموظفين ويتخذ سائقا وخدما، ويسافر كل حين، بل ويتجر في…
“يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً” .. من يحضر مجالس قراءة القرآن الرمضانية، ويشهد الأعداد الغفيرة من المسلمين المقيمين لصلوات التراويح في ليالي شهر رمضان المبارك، ويتابع أخبار المسابقات القرآنية، وتخريج مئات من حفظة القرآن الكريم من جميع الجنسيات والأعمار والطوائف سنوياً، ويعلم عن العادات الدينية الراسخة في المواظبة والإكثار من قراءة القرآن وإنهاء (ختمة) للقرآن أو أكثر في الشهر الكريم، قد لا يجد الاستشهاد بالآية الكريمة السابقة مناسباً الآن، فالأمة الإسلامية التي قد تجاوزت المليار مسلماً لم تتخذ هذا القرآن مهجوراً، فهو موجود في كل بيت، ويُتلى من قبل أفراده، وتُطبع عشرات آلاف النسخ منه سنوياً وتوزّع مجّاناً بترجمات مختلفة على الدول الإسلامية دانيها وقاصيها .. فالحمد لله أن القرآن “لم يُهجر”، كما يعتقد البعض. كلّ تلك الجهود مأجورة لحسن نوايا أصحابها واستفراغ الجهد الذي تراه لائقاً بقدسية القرآن والتعامل مع كتاب الله، وهو مقبول من عامة الناس البسطاء ولن يُعدموا الفائدة من قراءته أو الإنصات إليه إذا كان هذا منتهى طاقتهم، وأقصى ما توفّر لهم من…
اختطفوا جغرافيا الأنبياء (ع) وتاريخهم، وجاء دور اختطاف الإسلام وتشويهه وتمييعه، لاستصدار نسخ متطوّرة وملوّنة منه لكي تروق للجميع: الليبرالي، اليساري، اليميني .. الآسيوي والإفريقي، العربي والأعجمي، الأبيض والأسود، الشاب والشيخ .. إسلام أمريكي – إن شئت – أو أوروبي .. شرقي أو غربي، سمّه ما شئت، منفتح، وسطي، متنوّر .. فلا بأس، فمنتجو النسخ المتمدّنة من الإسلام لا مانع لديهم من منحك شرف اختيار الاسم المناسب لك، المهم أن يكون إسلاما بلا قيم، ولا ضوابط .. إسلاما بلا هويّة مميّزة لكي تتوه ولا تستطيع التمييز بين الحقيقي منه والزائف .. إسلام قشر وكفى. لم أكن لأعلم عن هذه النسخ (المزركشة) من الإسلام لولا حضوري دورة تدريبية في ماليزيا عن “فهم الإسلام من منظور حقوقي”، متعشّمة بذلك ربط ثقافة (المركز) بالشرق والغرب، ومزج المادّي بالمعنوي في تركيبة حكيمة لأبصر بأم عيني عالمية الإسلام التي أؤمن بها يقيناً، وأراها عصية التحقيق واقعاً، فانكشف لي نقيض ذلك تماماً، فالنُسخ المعدّلة من الإسلام والمروّجة في أسواق الشرق والغرب – في غفلة منّا –…
“أشرفَ الناس” وصفٌ أطلقه سماحة السيّد نصرالله.. مُعدّدا في خطابه الرائع الأخير أسبابَ نصر الله للشعب اللبناني على الكيان الصهيوني بملحمة تموز، وأنّ أقوى أسبابها التكاتف الشعبيّ بكلّ قواه وأطيافه وطوائفه في التئام لا يعكّره صغائرُ اختلافاته المذهبية والطائفية والسياسية.. مشكّلاً جبهة صمود داخلية صمّاء ضدّ الطامعين.. فبمثل هذه الوحدة ترتدع وتنهزم جحافل الأعداء وتحسب مليون حساب.. هذا الشعب المتلاحم هو “أشرف الناس”..لأنّه أعلا قيَم المروءة والشرف والتراحم الإنساني.. على قيَم التفكّك والأنانية والتعالي بالعصبيّات. فالتسامي على الخلافات الضيّقة وتهميشُها، والإحساس بقيمة الآخر المختلف عقديّا وسياسيا.. وبضرورة وجوده ومشاركته والتعاون معه.. وبأنّه عنصرُ قوّة ومنَعة.. ثمّ رصّ الصفّ به، هو ما يُحوّل أيّ فسيفساء شعبي متناثر إلى كتلة عصيّة الاختراق والانهيار كشعب لبنان المُقاوم بتمّوز، الكتلة التي صوّرها القرآن “كالبُنْيانِ المرْصوصِ”.. رُصّت من “المجاهدين” و”المناصرين”: “الذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا” مع “الذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا”.. ولن يبلغ شعبٌ هذا إلا بدعامتيْن: 1- توحيد بوصلته نحو عدوّه الحقيقي المشترك.. 2- تراحم أطيافه.. وبالتعبير القرآني: “أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ.. رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ”.. شهر رمضان هدفُه حفز…
كم حماقة أنْ يسير شخصُ مصاب -تشخب قدماه بالدماء- مسافةً طويلة حتّى إذا بلغ المستشفى قفلَ راجعاً بآلامه وأوجاعه دون دخولِه للعلاج؟! كثيرون يودّون تجديد حاجةٍ مهمّة.. أو تبديل طبْعٍ.. أو إصلاح حال.. فيمشون “بدائهم” أمداً.. ويمدّدونه.. ويُماطلون.. انتظاراً لفرصةٍ مناسبة لتفعيل إرادة التغيير على واقعهم، لكنّها متى سنحت “فإذَا همْ خامِدُون”.. فما تطوّروا و”ما بدّلوا تبديلا”. شهر رمضان -الذي سيحلّ ضيفنا بعد أسبوع- أحدُ هذه الفُرَص والسوانح العظيمة، لذلك جاء بالأثَر أنّ الشقي من فوّت فرصته وحُرم تبديل حاله فيه.. لقد تمّ مضاعفة هذه الفرصة بدمج محفّزيْن جبّاريْن: 1- “الشهر الكريم” كظرفٍ ذي هيمنة روحية وبرمجة اجتماعية وسلوكية مؤثّرة.. 2- “القرآن العظيم” بما يمثّله من ينبوع معرفي وإرشادي كمادّة للتأمّل والانتهال تجاه التغيير.. لذلك ورَد بالذكر: “اللهم ربّ رمضان الذي أنزلت فيه القرآن”.. فكلاهما يعملان معاً.. لكسر العادات المألوفة الجسميّة والنفسيّة والحسّية (بصريّة-سمعيّة-لسانيّة).. وضخّ برنامج آخر تجديدي علاجيّ يكسر النمطيّة الرتيبة السائدة.. بيد أنّ التجديد المأمول المنعكس على حياتنا لن يتأتّى إلاّ بتوظيف قدرات وأعمال “الشهر الكريم” و”القرآن العظيم”…
قالت إحداهن وهي كينية الجنسية: “عندما نناقش (العلماء) عن مضار “ختان الفتاة” في محاولة منا لاستصدار فتوى تحرّم هذا الفعل الذي يسيء إلى الطفلة أولاً، والزوجة ثانياً، والأم ثالثاً، يحتجّون علينا: من أنتن لكي تسمحن لأنفسكن بمناقشة هذه المواضيع؟ وإذا طالبناهم بالدليل القرآني على مشروعيته قالوا إنها آية إما نقلاً عن النبي إبراهيم (ع) أو في سورة إبراهيم .. هكذا (!) وبكت ثانية حزناً على القرآن وتعاليمه – بحسب قولها – وعلى عدالة الله ورحمته التي شُوّهت بممارسات المسلمين المصدّق عليها من بعض رجال الدين، فرغم أنّ في إحدى دول شرق آسيا تزيد نسبة الرجال غير المتزوجين على النساء بنحو عشرين في المائة، إلاّ أن ظاهرة تعدّد الزوجات هناك في ازدياد مستمر، وحجتهم الجاهزة، أنهم يطبّقون الآية الكريمة “فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ” المجتزأة، والمقطوعة من سياقها ومن أجوائها لتحقيق رغباتهم وأهوائهم على حطام زوجاتهم اللاتي يعانين الأمرّين للمحافظة على بيت الزوجية. وسألتني ثالثة ببراءة: “هل فعلاً هناك آية في القرآن تفيد أنّ إيمان المرء لا…
احتفاليّات وأهازيج تتكرّر بذكرى مولد المهدي المنتظر(ع)، أشبه بالفولكلوريّات الشعبية لدى البعض، وبالتكسّب والتوظيف لرصيدٍ شعبي لدى فئات ربّما ما عادت مؤمنة بمضامينها واشتراطاتها، وبابتهاج بريء ومحبّ لدى الغالبية ببساطة إيمانهم الموروث بصاحب المناسبة العطرة.. وبما يُشكّله مِن أملٍ بوجدانهم لحلمٍ يُنهي ضوائقهم.. فيبتهلون لاقتراب أجله وتحقّق وعده. يحتفل ملايين المسلمين (مِن الشيعة) بمولده(عج) بمنتصف شعبان.. وبهذه المناسبة القدسيّة نستلهم ومْضتيْن تختزنها فلسفة هذه الذكرى: الأولى: أملٌ ضارب بوجدان الإنسان بضرورة تحقّق حلم الإنسانية: بانبساط العدل والمحبة بين البشر. الثانية: عدم تخلّي الناس عن إيمانهم بحتمية قدوم منقذٍ عالمي روحانيّ غيبيّ، رغم انتظار “آلاف” السنين.. تبَعاً لتنوّع الاعتقادات والملل. هذا بدوره يُفضي بنتيجتين: 1- أنّ البشريّة “حاولت” جهدها -وواجبُها المواصلة- لتحقيق “حالة مُثلى” لمجتمعنا الإنساني.. بعضُ شرائطها تحقّقُ وعي الإنسان بضرورة العدل والسلام، ولبلوغ هذا الوعي -بالوسيلة القاسية- ينبغي مقاساتُنا الظلمَ بأنواعه والدمار بألوانه، لنقتنع أخيراً بقدرتنا على حلّ كلّ مشاكلنا أو تجاوزها.. بالمحبة وبالتآخي وبالعدل والحِوار.. وأيضاً شرْطُه أنْ تتواصل طبقاتُ البشريةُ وتتّصل بتجاربها لتُراكم مخزونًا كافياً يُعيد تشكيل…
بالتضحيةِ.. وضع قدمه على سلّم المجد.. فجذبته “السماءُ” نحوَ ذُراها.. “بلغ العُلى بكماله.. كشف الدُّجى بجماله.. حسنَتْ جميعُ خصاله..”. ربّما بعض الدينيين أفشلوا أطروحة الدين أن تجد سبيلها إلى عقول المعاصرين.. فصاروا عليه شيناً. وربّما بعض العلميّين يضحكون مِن معتقدات الدينيين أكانت مستحقّة للضحك فعلاً أو حسبوها هكذا.. إمّا لقصور المؤمنين عن تبريرها منطقيّاً، أو لعدم فهم المؤمنين المُقنِع مع تسليمهم بها.. وفاقد الشيء لن يعطيه. العلم لا تخوم له، وما بلغه لا يُتيح لنا الضحك على ما عجزْنا عن بلوغِه، لذلك الدينُ يسبق العلم ولكن ليس أيّ دين، بل الدين الحقّ الموحى، لا دين تفسيراتنا وقصور مداركنا.. خاصّةً المُضحِكة. مِن المُضحِكات علميّاً.. المبثوثة ببعض التفاسير، تفسير أحدهم للآية: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أنّ رجلاً ارتحل لجزائر نائية.. فشاهد الموضع الجغرافيّ الذي تغرب الشمس في بحره الحامي وسمع صوت صلصلة انطفائها!.. تفسيرٌ مضحك علميّا، ومُضحكٌ مثلُه تصّورُ (بعض الدينيّين) أنّ الشمس تدور حول الأرض، أو أنّها بغروبها يبتلعها حوت.. لانعدام تصوّرهم الكوني والفلكي، وليس…
قال أهلُ فارس “زَن بِزن”، أيْ اضربْ المرأة، وقال نيتشه: “لا تدخل على المرأة إلاّ والسوط بيدك”، نسيا أنّ المرأة إنسانٌ و”أمّ”، فانحطّ الفكرُ والفطرة لدى الأمم. رُبّما لأنّ الرجال هم المتحكّمون، وأرادوا تطويع زوجاتهم “بهراوة الدين”، أسّسوا مفاهيم “النشوز” و”القوامة” و”الطاعة” و”الضرب” وفصّلوها وفقًا لرغباتهم، فلو راجعتَ كتب الفقه والتراث لرأيت القوامة/القيمومة تعني رئاسة الرجل للمرأة لأفضليّته عقلاً وقوّة، وأنّ “الطاعة” تلزمها له، وأنّ “النشوز” تمرّدها على طاعته.. ورفضها معاشرته.. وخروجها بغير إذنه! هذا الإرث الذي صيّر المرأة ناقصة عقل، قاصرة، تحتاج تأديبا “بالضرب” هو صنيعة الرجال، الذي بدوره وليدٌ شرعيّ للاستبداد السياسي الذي لبط على وعي الأمة، ووظّف الدين لمآربه. منذ سبع سنوات أخرجتْ “جمعيّة التجديد” كتاب “حرّية المرأة بين النشوز والضرب”، وفيه أدنتُ هذا الإرث المنزّه كتابُ الله ودينُ الرحمةِ عنه، وفتّشتُ بكلّ كتب الحديث والصحاح عن النبيّ(ص) وأهل بيته(ع) فما وجدتُ لمصطلح “القوامة” ذكراً في لسانهم، يعني أنّ المشهور الديني الذي يشغل أدمغتنا رجالاً ونساءً معاً هو تفاسير وآراء رجال. في عيّنة مسحيّة وثّقتها “جمعيةُ البحرين…
ليس سخريةً من عقيدة أحد، ليقيني أنّ الساخر من عقائد الآخرين يُعطيهم إجازة السخرية من عقائده، فضلاً أنها من قلّة العقل والذوق والأخلاق، ولعلمي أنْ لا أحد يتملّك كاملَ الحقيقة.. وإنْ ادّعاها، فوراء أيّ عقيدةٍ شعاعٌ من حقّ، بل لو تبيّنتْ عقيدةً باطلة بكلّها.. فمشاعرُ معتنقيها ونواياهم المتكدّسةُ وراءها هي مشاعر ونوايا حقّ، الهزءُ بها ظُلمٌ. إنّ مفهوم “حلاّل المشاكل” مغروزٌ بكلّ قلب، ويتمثّل بكلّ شعب، كونه مهوى الأفئدة المتورّطة بحاضرها البائس، وأملاً تُطلقه الروحُ المستشرفةُ غدًا. لا أعرف الذين يلهجون بأدعية وتوسّلات “حلاّل المشاكل” لمُشكلنا السياسي والأمني والاقتصادي، لكنّ الأكيد أنّه وصفةٌ -لدى عديدين- لجميع الاستعمالات.. وصالحةٌ للاختبار.. وصفةٌ قد يُنكرها مخالفُها، ويُضخّمها آلِفُها، تتوسّلها طوائفُ مقهورة للفكاك من مصائبها، لأنها تُعبّر عن ملاذاتهم الدينية التكوينية الخفيّة.. “حلاّل المشاكل”: دعواتٌ، وطقوس، وعقائد، ووسائل، يؤطّرها أملُ المستضعفين بأنّ الله قادرٌ على فكّ عقدتها، جرّب بها الكثيرون نجاحاتٍ، وآخرون.. حصدوا إخفاقاتٍ، فظلّت النجاحات تُوقظ إيمان مؤمنيها، والإخفاقات تُوقد تشكيك مُنكريها، لدرجة عدِّها من بقايا إيمان العجائز وخرافاتهم. تبحث أفرادُ الناس (وأيضاً…