“في أحد الأيام، منذ زمن بعيد، كان أهل المريخ ينظرون من خلال مناظيرهم فاكتشفوا أهل الزهرة، فوقع أهل المريخ في حبّ أهل الزهرة، فاخترعوا سفناً فضائية وطاروا ليعيشوا مع أهل الزهرة الذين فتحوا لهم أذرعهم وقلوبهم بالمحبة، فعاش الجنسان مشاعر حبّ لم يشعروا بها من قبل رغم اختلافاتهم، وقضوا شهوراً يتعرّفون على بعضهم ويستكشفون حاجاتهم وأنماط سلوكهم المختلفة، ثم قرّروا السفر إلى الأرض، وهناك أُصيبوا جميعاً بنوع من أنواع فقدان الذاكرة، فنسوا أنهم من عالمين مختلفين، ونسوا ما تعلّموه عن اختلافاتهم، ومنذ ذلك اليوم يعيش أكثر الرجال والنساء على خلاف”. باستخدام هذا المجاز في مقدّمة كتابه “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة” يحاول د. جون غراي توضيح أسباب الخلافات بين النساء والرجال، فيرجعها إلى عدم معرفة كلّ منهما الاختلاف بين طبيعتي الرجل والمرأة النفسية والفسيولوجية، فمرّة يشبّه مزاج الرجل في مدّه وجزره بالأحزمة المطاطية، ويشبّه عواطف المرأة الجيّاشة بالأمواج، ويبيّن الفرق بين طبيعة كل منهما للتعبير عن ضيقه بأنّ الرجال يفضّلون الوحدة، فيذهبون إلى كهوفهم ويؤثرون الصمت، بينما النساء تطلب…
“زيدُ بن حارثة” تخطفه عصاباتُ المتاجرة بالبشر من يد والدتِه بإحدى القوافل، ويببعونه بسوق عكاظ للنخاسة بسنّ ثماني سنين، يُشتُرى ويُهدى لخديجة، فيُربّيه محمّد(ص)،… بعد سنين، يجيء أبوه المفجوعُ وعمّه يتوسّلان محمّداً(ص) لإعادة ابنهما ويفديانه بمالٍ عظيم، الحبيبُ محمّدٌ(ص) يرفض المال ويعرض عليهما –بدلاً- تخيير زيدٍ نفسهِ، فيُوافقان… فيقول محمد(ص) لزيد: إني أخيّرك بين أن تذهب مع أبيك وعمّك وبين أن تبقى معي. فيُجيب: بل أبقى معك ما حييتُ. فيُعنِّفه أبوه: ويحك زيد.. أتختار “العبودية” على أبيك وعمّك؟! يُجيبه: نعم، قد رأيت مِن هذا الرجل ما لا أختار عليه أحداً، ولقد كان لي نعمَ الأب والعمّ! عندها.. يُعتقه النبيّ(ص) ويُناديه بابنه، فيقرّ بالُ الأب والعمّ. حرص النبي(ص) على صيانة كرامة “العبيد”/الخدَم، فيُوصي: (هم إخوانُكم، فمَن كان تحت يدِه فليُطعمه ممّا يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإنْ كلّفتموهم فأعينوهم)، وأمَر بإحسان “تأديبهم” و”تعليمهم”، ثمّ كرّس ثقافة تصحيح المفاهيم: “لا يقلْ أحدُكم عبدي ولا أمَتي، ولكن ليقلْ فتاي وفتاتي”، ثم طوّرَها ليُنادَى واحدُهم: “أمة الله” و”عبدالله”، وسهّل إجراءات عتقهم،…
أسمعتم قصة حلاّق الوالي الذي فوجئ بكبر حجم أذني الوالي وكان عليه أن يكتم هذا السرّ وإلاّ فهو مهدّد بالقتل، فكتمه، ولكن .. بعد فترة ضاق صدره بهذا السرّ ولم يعد يحتمل كتمانه ولو فعل فسينفجر، فبحث عن بئر في منطقة نائية ووضع رأسه فيه وراح يصرخ بأعلى صوته ويكرّر “أذنا الوالي طويلتان كأذني حمار” .. “أذنا الوالي طويلتان كأذني حمار”. جالت بخاطري هذه القصة الرمزية لأصبّر نفسي على كتمان سرّ أخاف أن أبوح به فيتضرّر عدد من العاطلين الخاضعين لأحد المشاريع (الوطنية) المخصصة لهم، فكنت أحدّث نفسي بالصمت لكي لا أفسد عليهم فرصتهم التي تكاد أن تذهب أدراج الرياح، فتذكرت نهاية القصة حيث يُذكر أنّ المزارع القريبة من تلك البئر سُقيت بالماء الذي تُليت عليه عبارة “أذنا الوالي طويلتان كأذني حمار”، فلما نَمَت تلك الزروع كانت كلما حرّكتها الريح يميناً وشمالاً سُمع صوت يقول “أذنا الوالي طويلتان كأذني حمار” .. “أذنا الوالي طويلتان كأذني حمار” .. فجاءني الجواب من رمزية هذه القصة وأنا أخيّر نفسي بين البوح والكتمان. قهقهة…
مهما حاولنا أن نفتعل أحداثا لتغطي على مشكلة التجنيس، فتبعدها عن دائرة اهتمام الرأي العام زمنا ما، فإن ذلك لا يعني – إن أفلح- إلا تأخير حل المشكلة ليوم تنفجر فيه بانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، وعن فتق لا رتق له في الوطن، والشجاعة كما الحكمة وكذلك الإخلاص للوطن تقتضي عدم المكابرة في ذلك، بل المبادرة لحل المشكلة بالتوقف عن توسعتها أولا، ثم بإلغاء الإغراءات غير العادلة التي شجعت المجنسين على التهافت على البلاد. أول ما ينبغي على أهل البحرين أن لا يدخلوا في مشكلة التجنيس مشكلتهم في الطائفية المذهبية، فيتعصبوا في هذه تعصبا لتلك، فالطائفية والعرقية مشكلتان ناتجتان عن مرضين مجتمعنا البحريني مصاب بهما، ولا سبيل له للتخلص منهما إلا بالعلاج، وأما التجنيس فمشكلة طارئة اشتدت منذ المشروع الإصلاحي، ولا زال بالإمكان تدارك أخطر نتائجها، وإلا فلنستعد إلى إضافتها مرضا جديدا مستوطنا. لا أحد ينكر أن التجنيس في بعض حالاته يحترم الإنسان وحقوقه، فالمهاجر الذي عاش في بلد ما وخدمها وصار كواحد من أهلها فمن الظلم أن يعد غريبا لمجرد…
في الصين القديمة كانت إحدى المدارس الفلسفية الشهيرة تؤمن بأنّ الإنسان في الأصل ذو طبيعة شريرة، وأنّ الطريقة الخيرة التي يتصرّف بها سببُها – في الغالب – تأثير البيئة الاجتماعية، وخاصة تعلّم الطقوس الدينية وضوابط قوانين العقوبات، وكانت تؤمن بالمبدأ القائل: “إنّ قانوناً واحداً مقترناً بعقوبات شديدة لضمان تنفيذه أفضل من كلّ كلمات الحكماء لحفظ النظام”، كما كان حكماء الهند يؤمنون بأّن الإنسان بطبعه جشع، وإنه إذا ما تُرك له العنان فإنّ العالم سيتحوّل إلى ورشة للشيطان يسود فيها منطق السمَك، أي “أنّ الكبير يأكل الصغير”. وفي المقابل هناك جدل دائر في كتب القانون والفلسفة والاجتماع على خلفية الفكرة القائلة بأنّ وراء النظم القانونية المعمول بها في المجتمعات المختلفة ثمّة قانوناً أسمى يمكن على أساسه أن نحكم على القانون البشري الوضعي أو نتجاوزه إلى ما هو أنقى وأرقى، يعني بذلك قانون القيم والأخلاق المنبثقة من كلام الحكماء أو شرائع الأنبياء، المنسجم مع الفطرة السليمة، الذي يعطي كل ذي حقّ حقه، إذا استُوعب، ولا يمكن أن يقبل ما ليس بحقّ على أنه…
لا تنفك صديقتي السمينة جداً عن سؤالي في كل مرّة ألتقيها عمّا إذا لاحظتُ عليها فقدان بعض من كيلوات الشحم الزائدة التي تعاني منها وتتمنى أن أقول لها – ولو مجاملة – أنها تبدو أكثر نحافة ورشاقة ولو لمرة واحدة؛ كنت أُحرج كثيراً إذ لم يكن جوابي لها بالإيجاب في معظم الأحوال، ولكن مراعاة لمشاعرها، ولكي لا أسبب لها إحباطاً فتعزف عن الرياضة كليّاً، كنت دائماً أحاول أن أغير بؤرة اهتمامها بسؤالها: “تصوّري لو لم تواظبي على الرياضة لربما كنت مصابة بأمراض مزمنة كالسكري وضغط الدم وهشاشة العظام، فالتمارين التي تؤدينها تساهم في عدم تدهور حالتك وإن لم تساعد كثيراً في تخفيف وزنك”، مع علمي أنها لو عملت بهمّة أكبر فسوف يخفّ وزنها حتماً. تذكّرت صديقتي السمينة تلك وأنا أتابع وسائل الإعلام وما تنشره من تقارير وأخبار بمناسبة مرور ستين عاماً على إعلان مبادئ حقوق الإنسان الدولية، فتتابع أمامي صور لانتهاكات حقوق الإنسان لا أوّل لها ولا آخر؛ ففلسطين، وشيوخها، وأطفالها، وأشجار زيتونها، وبيوت ساكنيها المغصوبة، وتلك المحروقة، وقدسها، وأقصاها،…
لتنامي ظاهرة “النقاب” بمصر، أصدرت الأوقاف المصرية كتاباً بعنوان “النقاب عادة وليس عبادة”، لكنْ ثمّة دُوَل يُفرض فيها ليس “الحجاب” فحسب (كغطاء للشعر)، ولا النقاب (كغطاء للوجه)، بل أشبه بخيمةٍ تُسربل كامل جسم المرأة وتمشي بها! ثمّة فتاوى شاذّة تُوجب استعمال عينٍ واحدة فقط وستر الأخرى درءًا للفتن! وجماعات -كما بالصومال- يرشق بعضهم الفتيات غير “المنقبات” بالمواد الكيميائية، أوضاع لخّصتها منظمة العفو الدولية بتعرّض قرابة مليار امرأة في العالم للاضّطهاد وللعنف، من متحرّرين ودينيّين. حديثنا اليوم ليس عن “النقاب”، بل عن إشكالية مزمنة بمسألة “الحجاب”، والأصحّ تسميته “الخمار”، حسب الدلالة القرآنية، أمّا “الحجاب” قرآنيّاً فلم يكن إلاّ “ستراً” على باب بيوت (غُرَف) زوجات النبيّ(ص)، لفرض الاحتشام على زوّارهنّ بعدم التعامل المبتذل المكشوف، ولئلاّ يشفّ عمّا بداخل البيت مباشرة. لا نُجادل هنا في طبيعة الحجاب، وشرعيّته، وشكله وحدّه، وفرض الدّين والأسَر المحافظة له، بل كمسألة حقوقية تتبع الحقوق الشخصية من جهة، والحريّات الدينية من جهة، حين اشتباكها مع الأنظمة الدولية والقوانين المجتمعية. تركيا (وفرنسا) تفرض “منع الحجاب” على مواطنيها ومغتربيها في…
كزوجةٍ واجبُها فقط الصمتُ والاستماعُ وإحسانُ التبعّل، وإنْ أساء زوجها وسلب حقوقها، وإنْ أشرك بفراشها منافِسات مجتلبات من الخارج، وإنْ بعثر رصيد الأسرة، حرامٌ عليها أن تنقل “خلافات” داخل المَخْدع لخارجه، فتشتكيه لأهله ولأهلها وللرأي العام وللقضاء المدني والشرعي، مجرمةٌ وخائنة إن فعلت، هكذا تُعامِل بعضُ سلطات السياسة وأوصياء الدين “رعاياها”، معاملةً قائمة على التطويع والاستتباع ومصادرة الرأي، وقمع شكاوى الإصلاح، فالنظام “البعل” له مطلق الولاية، و”الرعايا” قاصرة، لا يمكنها استبصار حقّ خارج رؤية “البعل” الرشيدة، فلا تُحاسبه، ولا تشتكيه للخارج، ولا تُفصح عن إعضالاته معها وأخطائه، بغرض صلاحها وإصلاحه! إنّ قيم العدل والحقوق والحريات واضحة وبسيطة، لكنّ النفعيّة السياسية والتوظيفيّة الدينيّة تلبّس الأمر غالباًً، فتجعلها ضبابية رهن النقاش بل والتفنيد! لو كانت السياسة تتهذّب بالأخلاق ولرعاية مصالح الناس فقط لما جازَ أن تُصاغ مواد قانونية تُعاقِب مواطناً اجتهد برأيه وبثَّه لإصلاح الشأن العام، الذي هو مسئوليّة أيّ مواطن غيور، ولاقتصر القانون فقط بتجريم من يمسّ بأمن الوطن والمواطنين بإشاعة أراجيف واضحة وعمديّة بقصد إضرارهم، فبدل تفصيل القانون (والشرع) وفق…
وأخيراً سقط الرجيم “بوش”، وانزاح كابوسه العفريتي الجاثم على صدور ملياراتٍ، أنّت من ثقل عربداته، وعنهجيّة سياساته. ربّما لم يشهد التاريخ زعيما مثل “بوش” تعرّض لفشل عالميّ مُجمَعٍ عليه، حروب بالجملة، اعتداءات وإرهاب، غزو واجتياح، تبشير بصليبيّة بائدة وبأساطير تلموديّة وتصوّراتها المغلوطة البائسة، نهاية التاريخ، صراع حضارات، قطبية وأثَرة واستبداد، تكثير أعداء، تصهْيُن تامّ ومؤازرة كاملة لعدوّ إسرائيلي غاشم في نزواته ومغامراته وهمجيّته، أزمة مالية عاتية وركود اقتصادي عاصف، توتّرات تتفتّق بين الجار والجار، والبعيد والقريب، نزْغ بالعداوات، تسويل للكراهية، نفث بالتوجّس، وتوتير العلاقات بين الجيران والإخوة شرقاً وغرباً.. إذا لم تكن هذه جميعاً أفعال إبليس الرجيم، فعلينا الاستغفار إذاً بالترحّم عليه واستبداله “ببوش”! وفي الداخل الأمريكي؛ لم تنتشر برامج كوميدية بهذه الكثرة، وتُجمع على التندّر بزعيمها كما حصل “لبوش”، فاتّفقت بإظهار صورة نمطيّة له تُوحي بالغباء، والجهل، والفشل، والرعونة، والاشمئزاز، فصار التهريج به بمحطّاتهم الإعلامية الكبرى تلقائيّاً، وغدا مهزلةَ أشهرِ برامجها الساخرة المُشاهدة من قِبَل مئات الملايين: “ستاردي نايت لايف”، “جون ستيورات”، “جيه لينو”، “ديفيد ليترمان”، “كونان أوبراين، “ستيفن…
كتب أبرز صحفيّي الاقتصاد البريطانيّين متكهّناً أن تتمخّض الأزمة المالية حروباً عالمية كبرى: “إنّ ما نراه حالياً من تفسخ للنظام المالي العالمي، قد يؤدي إلى انتهاء عصر وول ستريت وسوق لندن المالية قبيل انبثاق نظام جديد بعيد عن الجشع، يرتكز على الثقة المتبادلة بين المتعاملين بعيداً عن ثقافة الذئاب”. إنّ احتياجنا “للثقة المتبادلة” و”ثقافة التبادل” والاحترام، بدل “ثقافة الذئاب” والاستعباد، ليس مجاله سوق المال فقط بل كلّ علاقاتنا الإنسانية ومحطّات التقائنا وتشاركنا، من سياسة ودين وفكر واقتصاد وبيئات اجتماع. في الآثار القديمة أنّ سلطاناً طاغيا أنذره عرّافُه بهلاكه الليلة، فاتّخذ عدّته وحصّن نفسه، أباد أعداءه، وأبعد أقاربه، وغلّق عليه أبواب قصره، وأقام سيّافه الأثير بجانبه يحميه، وجهل أنّ سيّافه موتورٌ بثأر قديم بلغ به الليلة مداه وتوفّرتْ فرصتُه، فلقي حتفَه في تدبيره! قال عليّ(ع): “تذلّ الأمور للمقادير، حتى يكون الحتفُ في التدبير”! إنّ آفة الأشياء وداءها كثيراً ما تكون منها وفيها، لكنّ الغرور بالظاهر المزخرف يطمس استبصار هذه الآفات، فأحياناً قد تتغوّل إمبراطوريّات ودولٌ وأنظمة لكنّها تحمل بأحشائها بذور فنائها…